الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 152 ] فرع

                                                                                                                قال صاحب المنتقى : إذا قلت : الدين ثمانية أرادب ، وقال المرتهن : مائة دينار . قال أصبغ : إن كان ما أقررت به أكثر من الدنانير صدقت ، أو أقل صدق كما يصدق في كثرة النوع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال الأبهري : إذا تنازعا تلف ما يغاب عليه ، فقال المرتهن : أنت خبيته ، صدق المرتهن ، وحلف إن اتهم كالوديعة ، ولأن الأصل عدم العدوان ، وقيل : يحلف مطلقا . والفرق أن المرتهن قبض لحق نفسه . وفي العتبية : لا يحلف لأنه يغرم إلا أن يقول : أخبرني مخبر صادق أنه عندك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجلاب : إذا تنازعتما في رد الرهن لم تصدق إلا ببينة . والفرق بينه وبين الوديعة أن المودع أمين مطلقا ، والمرتهن قبض لحق نفسه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : قال ابن القاسم : إذا ادعى المرتهن : أنه ضاع عند الأمين ، ولا بينة له على أنه وضعه عند الأمين إلا بتصديق الأمين ، إن كان الأمين عدلا فلا ضمان على المرتهن ; لأنه لما رهن بشرط وضعه على يد عدل صار المرتهن كالرسول أو كالمودع يؤمر بإيداع الوديعة عند غيره ، فيدعي أنه فعل وضاعت هنالك . وعنه لا يبرأ في الرهن إلا ببينة على الدفع للأمين . والفرق شائبة الضمان والتهمة ، فإن دفعه لغير عدل ضمن ; لأنه إنما أذن له في العدل . فإن شهدت البينة ، وادعى عدم العلم بعدم عدالته صدق إلا في المشهور بالفسق ، وقاله ابن القاسم في الوديعة إذا أذن له في إيداعها فضاعت .

                                                                                                                [ ص: 153 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا ضاع أحد الثوبين صدق المرتهن مع يمينه في قيمته ، وسقط من الدين قيمة الثوب . وإذا قلت : هما رهن بألف و " قال " الآخر : وديعة أو عارية صدق ; لأن الأصل عدم رهنه ، ولو كانا نمطا وجبة فهلك النمط فقلت : هو وديعة ، والجبة رهن وعكس الراهن ، فلا يصدق في تضمينه ، ولا أنت في الرهينة ويأخذ الجبة ربها .

                                                                                                                قال ابن يونس : يريد ويحلفان . قال ابن القاسم : إن رهنه بغير بينة فادعى رده ، وأخذ دينه ، حلف الراهن وضمنه ; لأن الأصل عدم الرد .

                                                                                                                قال المخزومي : إن أعرته ليرهن نفسه لم يكن رهنا إلا بما أذنت له ، والمستعير مدع لأنك فعلت معروفا ، ولا تكون تشهد للمرتهن ; لأنك استحققته وبقي الدين كدين لا رهن فيه ، فيصدق الراهن إلا في أقل مما ادعيته فيصدق المرتهن حينئذ ; لأنه رهن له ويباع له إن أعدم الراهن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا أرسلته ليرهن ثوبا في خمسة ، وقلت : وصلت إليك ، وقال الرسول : بل في خمسة عشر ، وقال المرتهن : في عشرين وقيمة الثوب عشرة - يحلف المرتهن ثم أنت ، وتغرم عشرة قيمة الثوب إن أحببت أخذه ، ثم يحلف الرسول يمينا لك : لقد وصل إليك عشرة ، ويمينا للمرتهن : ما رهنته إلا في خمسة عشر ، ويغرم لك خمسة .

                                                                                                                ولو قامت لك بينة ، وصدقك الرسول ، أعطيت خمسة وأخذت رهنك ، وحلف الرسول للمرتهن ، وبرئ ولم يطالبه المرتهن بشيء .

                                                                                                                وإن لم تكن بينة وقال المرتهن : بعشرة صدق إلى قيمة الرهن مع يمينه ، ثم تفتك أنت رهنك بقيمته أو تتركه بما فيه .

                                                                                                                وإن ادعى المرتهن أكثر من قيمة الرهن حلف الرسول ما أرسله إلا بخمسة ، وبرئ ولم " يطالبه " الآمر ولا المرتهن بشيء ، ولا يرجع المرتهن على الرسول بخمسة إذا كان الرهن يساوي عشرة ، إذا أقام الراهن بينة وأخذ رهنه ; لأن الرهن الذي كان يصدقه انتزع بالبينة ، فلا حجة له بقيمته .

                                                                                                                [ ص: 154 ] قال صاحب البيان : قال مالك : إذا أمرته أن يرهن لك ثوبا في خمسة فزاد لنفسه خمسة ، وقلت : لم آمره . أخذت العشرة منك إن كانت قيمة الثوب ، أقر الرسول برهنه بالزيادة أم لا ; لأن الرهن شاهد للمرتهن بقيمته فيصدق مع يمينه ، وترجع أنت على الرسول بالزيادة إن اعترف بها . فإن ادعى أنه رهن بالعشرة ودفعها إليك فأربعة أقوال : يصدق مع يمينه لأنه أمين ، ولا يصدق مطلقا لأنك لم تأتمنه على الزيادة ، ويصدق في القرب مع يمينه ، وفي البعد بغير يمينه ; لأن ادعاءك بعد البعد يوهنك ، ولا يصدق في القرب ويصدق في البعد مع يمينه .

                                                                                                                وإن قال : إنما رهنته بخمسة حلف وبرئ ، وإن أقر أنه استزادها لنفسه ورضي المرتهن باتباعه سقطت عنه اليمين . وإذا كانت لك بينة أنك أمرته بخمسة فقط دفعتها وأخذت رهنك ، وحلف هو للمرتهن ما رهنت إلا بخمسة ; لأنك بأخذك لرهنك لم يبق للمرتهن شاهد . وإن ادعى أكثر من قيمة الرهن حلف الرسول ما رهنه إلا بخمسة ولا يتبعه واحد منكما ، ويحلف المرتهن ويستحق قيمة الرهن ، وتبدأ أنت بيمين الرسول ; لأنه بمنزلتك ، فلو نكل غرم تمام العشرة لتفريطه بعدم الإشهاد . فإن قال : ما أمرته إلا بخمسة ورهنته بغيره ولك بينة أخذت رهنك واتبع الرسول ، وإن لم تكن لك بينة . قال سحنون : تحلف ما أمرت إلا بخمسة وتغرم قيمة الرهن إن نقصت عن العشرة واتبع الرسول المرتهن بما نقص عن العشرة ، واتبعته بما غرمت فوق الخمسة . فإن قال : أمرتني بعشرة ، وقلت : بخمسة صدق مع يمينه لأنه أمين ، ولك فداء رهنك ولا تتبعه . ولو ادعى المرتهن عشرين وقلت : خمسة ، وقال الرسول : خمسة عشر ، والقيمة عشرة حلف المرتهن ثم حلفت ، فإن أردت ثوبك دفعت عشرة ، ثم يحلف الرسول يمينين ، ويغرم الخمسة الزائدة على قيمة الثوب لإقراره بقبض خمسة عشر ، ويحلف لقد أوصل إليك عشرين ، وللمرتهن ما قبضت إلا خمسة عشر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب إذا أقر أن الرهن لغيره لم يسمع ; لأنه إقرار على الغير .

                                                                                                                [ ص: 155 ] فرع

                                                                                                                قال : يصدق المرتهن في دعوى الإباق إلا أن يأتي بمنكر ; لأنه أمين مطلقا في الحيوان .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذا اعترف الراهن بالجناية وهو معدم لا يصدق ، أو مليء خير في فدائه وإسلامه ، فإن فداه بقي رهنا ، أو أسلمه لم يكن له ذلك حتى يحل الأجل فيدفع الدين ، فإن فلس قبل ذلك فالمرتهن أحق به من المجني عليه ; لأن إقرار الراهن لا يسمع عليه .

                                                                                                                قاعدة : الإقرار قسمان : بسيط ومركب ، فالبسيط : ما أضر بالمقر فقط ، نحو : له عندي دينار ؛ يسمع إجماعا من البر والفاجر ; لأنه على خلاف الوازع الطبعي ، فاكتفى صاحب الشرع بالطبع عن وازع الشرع . والمركب : ما فيه إضرار به وبغيره ، نحو : عندي وعند زيد دينار ؛ يسمع في حقه فقط . أما إن أضر بالغير فقط فهو يسمى دعوى بالإقرار فلا بد فيها من حجة شرعية إن كانت تنفع القائل ، وإن كانت لنفع الغير فهي المسمى بالشهادة ، إن عضدتها العدالة قبلت وإلا فلا . فبهذا التقرير يظهر الفرق بين الشهادة والدعوى والإقرار ، ويظهر فقه هذه الفروع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : قال الذي على يده الرهن بعته بمائة ودفعته للمرتهن ، وقال المرتهن : بل بخمسين وهي التي دفعتها إلي : صدق المرتهن مع يمينه ; لأن الأصل بقاء دينه ، ويغرم العدل الخمسين لإقراره ، ثم ينظر إن قال المرتهن : لا أدري ما بعت به إلا من قولك أخذ الخمسين الأخرى إن اغترقها دينه ; لأنها ثمن الرهن ، [ ص: 156 ] وإن ادعى العلم بخمسين ، قال أشهب : لا يضمن الخمسين للمرتهن بل للراهن لتصديقه إياه ، وتردد اللخمي في أخذه إياها مواخذة بظاهر العدل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في المقدمات : لو وجد الرهن بيده بعد التفليس ، وادعى قبضه قبل التفليس ، وجحده الغرماء لجرى القولان اللذان في الصدقة توجد بيد المتصدق عليه بعد موت المتصدق ، فيدعي قبضها في صحته .

                                                                                                                وفي المدونة دليل على القولين ، ولو لم يتعلق به للغرماء حق لصدق ، وشهد له بقيمته على الراهن لعدم المزاحم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : إذا انهدمت دار فتقوم عليها فلك الأجرة إن كان مثلك يعمل ذلك بأجرة بعد أن تحلف ما تبرعت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا ادعى رجل بعد حوزك مدة أنه ارتهن قبلك وحازه ، وقامت البينة على الرهن والحيازة ، وأنه لم يعلم برهنك ، يبدأ الأول ولك ما بقي دون الغرماء ، قال : لأن الرهن بعد حوزه لا يبطل برجوعه للراهن إلا أن يعلم المرتهن فيسكت ، فلو علم الأول بطل حقه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : رهنت سوار امرأتك بغير أمرها ، فعلمت أو أعلمتها ، إن طلبت بالقرب ، وحلفت ما دفعته لك - فذلك لها ، وإلا فلا لرضاها بالرهن ، وعنه لها ذلك بعد الطول ، وتحلف ما رضيت ، لأن الأصل عدم الرضا .

                                                                                                                وهذا إذا لم تحضر الارتهان وإلا فإن بادرت فلها ، وإن سكتت وأنكرت قبل انقضاء المجلس فعلى الخلاف في السكوت : هل هو كالإقرار أم لا ؟ وإن انفصلا عن المجلس لزمها اتفاقا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية