الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) الظاهر أن كلا مفعول به ، والعامل فيه نقص ، والتنوين عوض من المحذوف ، والتقدير : وكل نبأ نقص عليك . و ( من أنباء الرسل ) : في موضع الصفة لقوله : ( وكلا ) ، إذ هي مضافة في التقدير إلى نكرة ، وما صلة كما هي في قوله : ( قليلا ما تذكرون ) قيل : أو بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو ما نثبت ، فتكون ما بمعنى : الذي ، أو مصدرية . وأجازوا أن ينتصب كلا على المصدر ، وما نثبت : مفعول به بقولك : نقص ، كأنه قيل : ونقص عليك الشيء الذي نثبت به فؤادك كل قص . وأجازوا أن يكون ( كلا ) نكرة بمعنى : جميعا ، وينتصب على الحال من المفعول الذي هو ما ، أو من المجرور الذي هو الضمير في به ، على مذهب من يجوز تقديم حال المجرور بالحرف عليه ، التقدير : ونقص عليك من أنباء الرسل الأشياء التي نثبت بها فؤادك جميعا ، أي : المثبتة فؤادك جميعا . قال ابن عباس : نثبت : نسكن ، وقال الضحاك : نشد ، وقال ابن جريج : نقوي . وتثبيت الفؤاد : هو بما جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولأتباعهم المؤمنين ، وما لقوا من مكذبيهم من الأذى ، ففي هذا كله أسوة بهم ، إذ المشاركة في الأمور الصعبة تهون ما يلقى الإنسان من الأذى ، ثم الإعلام بما جرى على مكذبيهم من العقوبات المستأصلة بأنواع من العذاب ، من غرق وريح ورجفة وخسف ، وغير ذلك فيه طمأنينة للنفس وتأنيس ، بأن يصيب الله من كذب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب ، كما جرى لمكذبي الرسل ، وإنباء له عليه الصلاة والسلام بحسن العاقبة له ولأتباعه ، كما اتفق للرسل وأتباعهم . والإشارة بقوله : ( في هذه ) : إلى أنباء الرسل التي قصها الله تعالى عليه ، أي : النبأ الصدق الحق الذي هو مطابق بما جرى ليس فيه تغيير ولا تحريف ، كما ينقل شيئا من ذلك المؤرخون . و ( موعظة ) أي : اتعاظ وازدجار لسامعه ، وذكرى لمن آمن ، إذ الموعظة والذكرى لا ينتفع بها إلا المؤمن كقوله ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وقوله : ( سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى ) وقال ابن عباس : الإشارة إلى السورة والآيات التي فيها تذكر قصص الأمم ، وهذا قول الجمهور . ووجه تخصيص هذه السورة بوصفها بالحق والقرآن كله حق ، أن ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر ، أي : جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة . وهذا كما يقال عند الشدائد : جاء الحق ، وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه ، ولا تستعمل في ذلك جاء الحق . وقال الحسن وقتادة : الإشارة إلى دار الدنيا . قال قتادة : والحق : النبوة . وقيل : إشارة إلى السورة مع نظائرها . ( وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون ) : ( اعملوا ) : صيغة أمر ومعناه : التهديد والوعيد ، والخطاب لأهل مكة وغيرها .

على مكانتكم : أي : جهتكم وحالكم التي أنتم عليها . وقيل : اعملوا في هلاكي على إمكانكم . [ ص: 275 ] وانتظروا بنا الدوائر ، إنا منتظرون أن ينزل بكم نحو ما اقتص الله من النقم النازلة بأشباهكم ، ويشبه أن يكون إيتاء موادعة ، فلذلك قيل : إنهما منسوختان ، وقيل : محكمتان ، وهما للتهديد والوعيد ، والحرب قائمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية