الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5986 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم وقال وهب حدثنا شعبة عن قتادة مثله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله رب العرش العظيم نقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع العظيم وكذا برفع الكريم في قوله " رب العرش الكريم " على أنهما نعتان للرب والذي ثبت في رواية الجمهور بالجر على أنه نعت للعرش وكذا قرأ الجمهور في قوله - تعالى - رب العرش العظيم - و رب العرش الكريم بالرفع وقرأ ابن محيصن بالجر فيهما [ ص: 151 ] وجاء ذلك أيضا عن ابن كثير وعن أبي جعفر المدني وأعرب بوجهين أحدهما ما تقدم والثاني أن يكون مع الرفع نعتا للعرش على أنه خبر لمبتدأ محذوف قطع عما قبله للمدح ورجح لحصول توافق القراءتين ورجح أبو بكر الأصم الأول لأن وصف الرب بالعظيم أولى من وصف العرش وفيه نظر لأن وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم فقد نعت الهدهد عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ولم ينكر عليه سليمان قال العلماء الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة والعظيم الذي لا شيء يعظم عليه والكريم المعطي فضلا وسيأتي لذلك مزيد في شرح الأسماء الحسنى قريبا وقال الطيبي : صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية وفيه التهليل المشتمل على التوحيد وهو أصل التنزيهات الجلالية والعظمة التي تدل على تمام القدرة والحلم الذي يدل على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم وهما أصل الأوصاف الإكرامية ووقع في حديث علي الذي أشرت إليه لا إله إلا الله الكريم العظيم سبحان الله تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين وفي لفظ " الحليم الكريم " في الأول وفي لفظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم وفي لفظ لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك وتعالى رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أخرجها كلها النسائي . قال الطبري : معنى قول ابن عباس " يدعو " وإنما هو تهليل وتعظيم يحتمل أمرين أحدهما أن المراد تقديم ذلك قبيل الدعاء كما ورد من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث المذكورة وفي آخره " ثم يدعو " قلت وكذا هو عند أبي عوانة في مستخرجه من هذا الوجه وعند عبد بن حميد من هذا الوجه " كان إذا حزبه أمر قال " فذكر الذكر المأثور وزاد " ثم دعا " وفي " الأدب المفرد " من طريق عبد الله بن الحارث " سمعت ابن عباس " فذكره وزاد في آخره اللهم اصرف عني شره قال الطبري : ويؤيد هذا ما روى الأعمش عن إبراهيم قال كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء ثانيهما ما أجاب به ابن عيينة فيما حدثنا حسين بن حسن المروزي قال " سألت ابن عيينة عن الحديث الذي فيه أكثر ما كان يدعو به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الحديث فقال سفيان : هو ذكر وليس فيه دعاء ولكن قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه عز وجل : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال وقال أمية ابن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان :

                                                                                                                                                                                                        أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء     إذا أثنى عليك المرء يوما
                                                                                                                                                                                                        كفاه من تعرضك الثناء

                                                                                                                                                                                                        قال سفيان : فهذا مخلوق حين نسب إلى الكرم اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف بالخالق ؟ قلت ويؤيد الاحتمال الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله - تعالى - له أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وفي لفظ للحاكم " فقال رجل أكانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : ألا تسمع إلى قول الله - تعالى - وكذلك ننجي المؤمنين وقال ابن بطال : حدثني أبو بكر الرازي قال كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا فسعي به عند السلطان فسجن فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي - صلى الله عليه وسلم - قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي [ ص: 152 ] في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه قال فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلا حتى أخرج انتهى وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب " الفرج بعد الشدة " له من طريق عبد الملك بن عمير قال كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن حيان انظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلدة وأوقفه للناس قال فبعث إليه فجيء به فقام إليه علي بن الحسين فقال يا ابن عم تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك فذكر حديث علي باللفظ الثاني ، فقالها فرفع إليه عثمان رأسه فقال أرى وجه رجل كذب عليه خلوا سبيله فسأكتب إلى أمير المؤمنين بعذره فأطلق وأخرج النسائي والطبري من طريق الحسن بن الحسن بن علي قال لما زوج عبد الله بن جعفر ابنته قال لها إن نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين قال الحسن : فأرسل إلي الحجاج فقلتهن فقال والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك فلأنت اليوم أحب إلي من كذا وكذا وزاد في لفظ فسل حاجتك ومما ورد من دعوات الكرب ما أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي عن أسماء بنت عميس قالت " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب ؟ الله الله ربي لا أشرك به شيئا وأخرجه الطبري من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس مثله ولأبي داود وصححه ابن حبان عن أبي بكرة رفعه " دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية