الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ؛ المعنى: اذكروا إذ ابتلى إبراهيم ربه؛ ومعنى " فأتمهن " : وفى بما أمر به فيهن؛ وقد اختلفوا في الكلمات؛ فقال قوم: تفسيرها أنه أمره بخمس خلال في الرأس؛ وخمس خلال في البدن؛ فأما اللاتي في الرأس؛ فالفرق؛ وقص الشارب؛ والسواك؛ والمضمضة؛ والاستنشاق؛ وأما التي في البدن؛ فالختان؛ وحلق العانة؛ والاستنجاء؛ وتقليم الأظافر؛ ونتف الإبط؛ فهذا مذهب قوم؛ وعليه كثير من أهل التفسير؛ وقال قوم: إن الذي ابتلاه به ما أمره به من ذبح ولده؛ وما كان من طرحه في النار؛ وأمر النجوم التي جرى ذكرها في القرآن؛ في قوله - عز وجل -: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ؛ وما جرى بعد الكواكب من ذكر القمر؛ والشمس؛ فهذا مذهب قوم. [ ص: 205 ] وجميع هذه الخلال قد ابتلي بها إبراهيم؛ وقد وفى بما أمر به؛ وأتى بما يأتي به المؤمن؛ بل البر المصطفى المختار؛ ومعنى " ابتلى " : اختبر. وقوله - عز وجل -: إني جاعلك للناس إماما ؛ " الأم " ؛ في اللغة: القصد؛ تقول: " أممت كذا وكذا " ؛ إذا قصدته؛ وكذلك قوله: فتيمموا صعيدا طيبا ؛ أي: فاقصدوا؛ و " الإمام " : الذي يؤتم به؛ فيفعل أهله وأمته كما فعل؛ أي: يقصدون لما يقصد.

                                                                                                                                                                                                                                        قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ؛ فأعلم الله إبراهيم أن في ذريته الظالم؛ وقد قرئت: " لا ينال عهدي الظالمون " ؛ والمعنى في الرفع والنصب واحد؛ لأن النيل مشتمل على العهد؛ وعلى الظالمين؛ إلا أنه منفي عنهم؛ والقراءة الجيدة هي على نصب " الظالمين " ; لأن المصحف هكذا فيه؛ وتلك القراءة جيدة بالغة؛ إلا أني لا أقرأ بها؛ ولا ينبغي أن يقرأ بها؛ لأنها خلاف المصحف؛ ولأن المعنى أن إبراهيم - عليه السلام - كأنه قال: " واجعل الإمامة تنال ذريتي؛ واجعل هذا العهد ينال ذريتي " ؛ قال الله: لا ينال عهدي الظالمين " ؛ فهو على هذا أقوى أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية