الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في الاعتدال عن الركوع :

                                                                                                                                                                        وهو ركن لكنه غير مقصود لنفسه ، والاعتدال الواجب : أن يعود بعد ركوعه إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع ، سواء صلى قائما ، أو قاعدا .

                                                                                                                                                                        فلو ركع عن قيام فسقط في ركوعه ، نظر ، إن لم يطمئن في ركوعه لزمه أن يعود إلى الركوع ويطمئن ، ثم يعتدل منه .

                                                                                                                                                                        وإن كان اطمأن ، فيعتدل قائما ويسجد ، ولو رفع الراكع رأسه ، ثم سجد وشك هل تم اعتداله ؟ وجب أن يعتدل قائما ، ويعيد السجود .

                                                                                                                                                                        [ ص: 252 ] واعلم أنه تجب الطمأنينة في الاعتدال ، كالركوع .

                                                                                                                                                                        وقال إمام الحرمين : في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء ، وفي كلام غيره ما يقتضي ترددا فيها ، والمعروف الصواب وجوبها .

                                                                                                                                                                        ويجب أن لا يقصد بارتفاعه شيئا آخر . فلو رأى في ركوعه حية ، فرفع فزعا منها لم يعتد به .

                                                                                                                                                                        ويجب أن لا يطول الاعتدال ، فإن طوله ، ففي بطلان صلاته خلاف يذكر في باب سجود السهو ، إن شاء الله تعالى ، ويستحب عند الاعتدال رفع اليدين حذو المنكبين ، على ما تقدم من صفة الرفع ، ويكون ابتداء رفعهما ، مع ابتداء رفع الرأس .

                                                                                                                                                                        فإذا اعتدل قائما حطهما ، ويستحب أن يقول في ارتفاعه للاعتدال : سمع الله لمن حمده . فإذا استوى قائما ، قال : ربنا لك الحمد ، أو : ربنا ولك الحمد ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد .

                                                                                                                                                                        يستوي في استحباب هذين الذكرين الإمام والمأموم والمنفرد ، ويستحب لغير الإمام وله إذا رضي القوم أن يزيد ، فيقول : أهل الثناء والمجد ، حق ما قال العبد ، كلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، ويكره للإمام هذه الزيادة إلا برضاهم .

                                                                                                                                                                        قلت : هكذا يقوله أصحابنا في كتب المذهب : حق ما قال العبد ، كلنا لك عبد ، والذي في ( صحيح مسلم ) وغيره من كتب الحديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يقول : أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد . بزيادة ألف في ( أحق ) وواو في ( وكلنا ) وكلاهما حسن . لكن ما ثبت في الحديث أولى .

                                                                                                                                                                        قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : ولو قال من حمد الله : سمع له ، بدل : سمع الله لمن حمده ، أجزأه ، ولكن الأولى : سمع الله لمن حمده .

                                                                                                                                                                        قال الشافعي والأصحاب : يقول في الرفع : ربنا لك الحمد ، وإن شاء قال : اللهم ربنا لك الحمد ، أو : لك الحمد ربنا .

                                                                                                                                                                        والأول أولى . قال صاحب ( الحاوي ) : يجهر الإمام بـ : سمع الله لمن حمده ، ويسر بـ : ربنا لك الحمد ، ويسر المأموم بهما [ ص: 253 ] جميعا ، ولو أتى بالركوع الواجب ، فعرضت علة منعته الانتصاب ، سجد من ركوعه ، وسقط الاعتدال ، لتعذره . فلو زالت العلة قبل بلوغ جبهته للأرض وجب أن يرتفع وينتصب قائما ويعتدل ، ثم يسجد ، وإن زالت بعد وضع جبهته على الأرض ، لم يرجع إلى الاعتدال ، بل سقط عنه ، فإن خالف ، فعاد إليه قبل تمام سجوده ، فإن كان عالما بتحريمه ، بطلت صلاته ، وإن كان جاهلا لم تبطل ويعود إلى السجود .

                                                                                                                                                                        قال صاحب ( التتمة ) : ولو ترك الاعتدال عن الركوع والسجود ، في النافلة ، ففي صحتها وجهان ، بناء على صلاتها مضطجعا مع قدرته على القيام . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية