الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        نعم ثم معنى آخر ينبغي أن يذكر هنا . وهو : المسألة الخامسة

                        وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا ، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية ، لأن الكليات تقتضي عددا من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب .

                        واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي ، فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافا في فروع لا تنحصر ، ما بين فروع عقائد وفروع أعمال .

                        ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات ، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة ، كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضا ، وأما الجزئي فبخلاف ذلك ، بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له [ ص: 713 ] كالزلة والفلتة ، وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين ، حيث قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ثلاث يهدمن الدين : زلة العالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون . ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين . بخلاف الكليات .

                        فأنت ترى موقع اتباع المتشابهات كيف هو في الدين إذا كان اتباعا مخلا بالواضحات . وهي أم الكتاب . وكذلك عدم تفهم القرآن موقع في الإخلال بكلياته وجزئياته .

                        وقد ثبت أيضا للكفار بدع فرعية . ولكنها في الضروريات وما قاربها . كجعلهم لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ولشركائهم نصيبا، ثم فرعوا عليه أن ما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ، وما كان لله وصل إلى شركائهم . وتحريمهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وقتلهم أولادهم سفها بغير علم ، وترك العدل في القصاص والميراث ، والحيف في النكاح والطلاق ، وأكل مال اليتيم على نوع من الحيل ، إلى أشباه ذلك مما نبه عليه الشرع وذكره العلماء ، حتى صار التشريع ديدنا لهم ، وتغيير ملة إبراهيم عليه السلام سهلا عليهم ، فأنشأ ذلك أصلا مضافا إليهم وقاعدة رضوا بها ، وهي التشريع المطلق لا الهوى ، ولذلك لما نبههم الله تعالى على إقامة الحجة عليهم بقوله تعالى : قل آلذكرين حرم أم الأنثيين قال فيها : نبئوني بعلم إن كنتم صادقين فطالبهم بالعلم الذي شأنه أن لا يشرع إلا حقا وهو علم [ ص: 714 ] الشريعة لا غيره ، ثم قال تعالى : أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا تنبيها لهم على أن هذا ليس مما شرعه في ملة إبراهيم : ثم قال : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم فثبت أن هذه الفرق إنما افترقت بحسب أمور كلية اختلفوا فيها والله أعلم .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية