الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين

تقدم ذكر القراءات في "أإنكم"، واختلف الناس في "قطع السبيل" المشار إليها هنا، فقالت فرقة: كان قطع الطريق بالسلب فاشيا فيهم، وقال ابن زيد : كانوا يقطعون الطرق على الناس لطلب الفاحشة، فكانوا يحيفون. وقالت فرقة: بل أراد قطع سبيل النسل في ترك النساء وإتيان الرجال. وقالت فرقة: أراد أنهم بفتح الأحدوثة عنهم يقطعون سبيل الناس عن قصدهم في التجارات وغيرها. و "النادي": المجلس الذي يجتمع الناس فيه، وهو اسم جنس; لأن الأندية في المدن كثيرة، كأنه قال: وتأتون في اجتماعكم حيث اجتمعتم، واختلف الناس في "المنكر"، فقالت فرقة: كانوا يحذفون الناس بالحصى، ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم، وروته أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يربطهم دين ولا مروءة، وقال مجاهد ، ومنصور : كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا، وقال القاسم بن محمد : منكرهم أنهم كانوا يتفاعلون في مجالسهم، ذكره الزهراوي ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان يتضارطون في مجالسهم، وقال مجاهد أيضا: كان أمرهم لعب الحمام، وتطريف الأصابع [ ص: 641 ] بالحناء، والصفير، والحذف، ونبذ الحياء في جميع أمورهم.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وقد توجد هذه الأشياء في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالتناهي واجب.

فلما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج، أي: ائتنا بالعذاب، فإن ذلك لا يكون، ولا تقدر عليه، وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه، وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا، [ثم استنصر لوط عليه السلام ربه، فبعث عليهم ملائكة لعذابهم]، فجاؤوا إبراهيم عليه السلام أولا مبشرين بإسحاق ، ومبشرين بنصرة لوط على قومه، وكان لقاؤهم لإبراهيم على الصورة التي بينت في غير هذا الموضع، فلفظة "البشرى" -في هذا الموضع- تتضمن أمر إسحاق ونصرة لوط عليهما السلام، فلما أخبروه بإهلاك القرية على ظلمهم أشفق إبراهيم عليه السلام على لوط عليه السلام ، فعارضهم بحسب ما يأتي.

التالي السابق


الخدمات العلمية