الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فأما البول فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم : { تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : هذا الحديث رواه عبد بن حميد شيخ البخاري ومسلم في مسنده من رواية ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد كلهم عدول ضابطون [ ص: 567 ] بشرط الصحيحين إلا رجلا واحدا وهو أبو يحيى القتات ، فاختلفوا فيه فجرحه الأكثرون ووثقه يحيى بن معين في رواية عنه . وقد روى له مسلم في صحيحه وله متابع على حديثه وشواهد يقتضي مجموعها حسنه وجواز الاحتجاج به ، ورواه الدارقطني من رواية أنس قال فيها المحفوظ : إنه مرسل وفي المسألة أحاديث صحيحة منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة } وروي " يستنزه من البول " وروي " يستتر " حديث صحيح رواه البخاري ومسلم بهذه الألفاظ وعن أنس رضي الله عنه : { أن أعرابيا بال في ناحية المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه } رواه البخاري ومسلم ، وعن أبي هريرة مثله رواه البخاري وقوله : تنزهوا معناه تباعدوا وتحفظوا .

                                      أما حكم المسألة في الأبوال فهي أربعة أنواع : بول الآدمي الكبير ، وبول الصبي الذي لم يطعم ، وبول الحيوانات المأكولة ; وبول غير المأكول ، وكلها نجسة عندنا وعند جمهور العلماء ، ولكن نذكرها مفصلة لبيان مذاهب العلماء ودلائلها ، فأما بول الآدمي الكبير فنجس بإجماع المسلمين ، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وأصحابنا وغيرهم ، ودليله الأحاديث السابقة مع الإجماع ، وأما بول الصبي الذي لم يطعم فنجس عندنا وعند العلماء كافة . وحكى العبدري وصاحب البيان عن داود أنه قال : هو طاهر ، دليلنا عموم الأحاديث والقياس على الكبير ، وثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم نضح ثوبه من بول الصبي وأمر بالنضح منه } ، فلو لم يكن نجسا لم ينضح ، وأما بول باقي الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فنجس عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة ، وحكى الشاشي وغيره عن النخعي طهارته وما أظنه يصح عنه ، وإن صح فمردود بما ذكرناه ، وحكى ابن حزم في كتابه المحلى عن داود أنه قال : الأبوال والأرواث طاهرة من كل حيوان إلا الآدمي ، وهذا في نهاية من الفساد ، وأما بول الحيوانات المأكولة وروثها فنجسان عندنا وعند أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما ، وقال عطاء والنخعي والزهري ومالك وسفيان الثوري وزفر وأحمد : بوله وروثه طاهران ، وحكاه صاحب البيان وجها لأصحابنا ، [ ص: 568 ] وحكاه الرافعي عن أبي سعيد الإصطخري واختاره الروياني ، وسبقهم باختياره إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا واختاره في صحيحه واستدل له ، والمشهور من مذهبنا : الجزم بنجاستهما .

                                      وعن الليث بن سعد ومحمد بن الحسن أن بول المأكول طاهر دون روثه ، وقال أبو حنيفة : ذرق الحمام طاهر ، واحتج لمن قال بالطهارة بحديث أنس رضي الله عنه قال : { قدم ناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها } رواه البخاري ومسلم وعكل وعرينة بضم العين فيهما وهما قبيلتان .

                                      وقوله : اجتووا بالجيم أي استوخموا ، واحتج لهم بحديث يروى عن البراء مرفوعا : { ما أكل لحمه فلا بأس ببوله } وعن جابر مرفوعا مثله .

                                      واحتج أصحابنا بقول الله تعالى : : " { ويحرم عليهم الخبائث } والعرب تستخبث هذا ، وبإطلاق الأحاديث السابقة ، وبالقياس على ما يؤكل ، وعلى دم المأكول ، والجواب عن حديث أنس أنه كان للتداوي ، وهو جائز بجميع النجاسات سوى الخمر كما سنقرره بدلائله في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى ، وعن حديثي البراء وجابر أنهما ضعيفان واهيان ذكرهما الدارقطني وضعفهما وبين ضعفهما وروي : ( ولا بأس بسؤره ) وكلاهما ضعيف والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية