الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثالث ) : لا ينبغي لأحد أن ينكر على سلطان إلا وعظا وتخويفا له ، أو تحذيرا من العاقبة في الدنيا والآخرة فيجب . قال القاضي ويحرم بغير ذلك . قال ابن مفلح : والمراد ولم يخف منه بالتخويف والتحذير وإلا سقط ، وكان حكم ذلك كغيره .

قال حنبل : اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله وقالوا له إن الأمر قد تفاقم وفشا ، يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه ، فناظرهم في ذلك وقال عليكم بالإنكار بقلوبكم [ ص: 231 ] ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم ، وانظروا في عاقبة أمركم ، واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر .

وقال ليس هذا يعني نزعهم أيديهم من طاعته صوابا ، هذا خلاف الآثار . وقال المروذي : سمعت أبا عبد الله يأمر بالكف عن الأمراء وينكر الخروج إنكارا شديدا . وقال في رواية إسماعيل بن سعيد : الكف أي يجب الكف لأنا نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم { ما صلوا فلا } أي فلا تنزع يد طاعتهم مدة دوامهم يصلون . خلافا للمتكلمين في جواز قتالهم كالبغاة . وفرق القاضي بينهما من جهة الظاهر والمعنى .

أما الظاهر فإن الله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله تعالى { وإن طائفتان } الآية . وفي مسألتنا أمر بالكف عن الأئمة بالأخبار المذكورة . وأما معنى فإن الخوارج يقاتلون بالإمام ، وفي مسألتنا يحصل قتالهم بغير إمام انتهى .

قال الإمام عبد الله بن المبارك رضي الله عنه :

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا     كم يدفع الله بالسلطان معضلة
في ديننا رحمة منه ودنيانا     لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل
وكان أضعفنا نهبا لأقوانا

وفي وصية عمرو بن العاص لابنه : يا بني احفظ عني ما أوصيك به : " إمام عدل خير من مطر وبل . وأسد خطوم خير من إمام ظلوم . وإمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم .

قال الإمام الحافظ ابن الجوزي : الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين التعريف والوعظ . فأما تخشين القول نحو يا ظالم يا من لا يخاف الله فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شرها إلى الغير لم يجز ، وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء .

قال والذي أراه المنع من ذلك ، لأن المقصود إزالة المنكر وحمل السلطان بالانبساط عليه أي حمله السلطان على أن يبسط يده في التعدي عليه أكثر من فعل المنكر الذي قصد إزالته . وقد قال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه : لا يتعرض بالسلطان ، فإن سيفه مسلول ، وعصاه .

فأما ما جرى للسلف من التعرض لأمرائهم فإنهم كانوا يهابون العلماء ، فإذا انبسطوا عليهم احتملوهم في الأغلب . [ ص: 232 ] ولأحمد رضي الله عنه من حديث عطية السعدي رضي الله عنه { إذا استشاط السلطان ، تسلط عليه الشيطان } .

وفي مسند البزار بسند فيه جهالة عن سيدنا أبي عبيدة بن الجراح رضوان الله عليه قال { قلت يا رسول الله أي الشهداء أكرم على الله ؟ قال رجل قام إلى إمام جائر فأمره بمعروف ونهاه عن منكر فقتله } قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى : وقد روى معناه من وجوه أخر كلها فيها ضعف .

وأخرج أبو داود وابن ماجه والترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر } وخرج ابن ماجه معناه من حديث أبي أمامة . .

التالي السابق


الخدمات العلمية