الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال ابن معين : بلغني أن شريكا ، والثوري ، وإسرائيل ، وفضيل بن عياض ، وغيرهم من فقهاء الكوفة ولدوا بخراسان ، كان يبعث بآبائهم في البعوث ، ويتسرى بعضهم ، ويتزوج بعضهم ، فلما قفلوا ، نقلوهم إلى الكوفة ، ومسروق جد الثوري ، شهد الجمل مع علي . أبو العيناء : عن عبد الله بن خبيق ، قال يوسف بن أسباط : كان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم .

                                                                                      عبد الرحمن بن مهدي : سمعت سفيان يقول : ما بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط إلا عملت به ، ولو مرة .

                                                                                      حاتم بن الوليد الكرماني : سمعت يحيى بن أبي بكير يقول : قيل [ ص: 243 ] لسفيان الثوري : إلى متى تطلب الحديث ؟ قال : وأي خير أنا فيه خير من الحديث ، فأصير إليه ؟ إن الحديث خير علوم الدنيا .

                                                                                      يحيى القطان : سمعت سفيان يقول : إن أقبح الرعية أن يطلب الدنيا بعمل الآخرة .

                                                                                      وقال عبد الرزاق : دعا الثوري بطعام ولحم ، فأكله ، ثم دعا بتمر وزبد فأكله ، ثم قام ، وقال : أحسن إلى الزنجي وكده .

                                                                                      أبو هشام الرفاعي : سمعت يحيى بن يمان ، عن سفيان ، قال : إني لأرى الشيء يجب علي أن أتكلم فيه ، فلا أفعل ، فأبول دما .

                                                                                      ابن مهدي : كنا مع الثوري جلوسا بمكة ، فوثب وقال : النهار يعمل عمله .

                                                                                      وعن سفيان : ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذل له . أحمد بن يونس : سمعت الثوري ما لا أحصيه يقول : اللهم سلم سلم ، اللهم سلمنا ، وارزقنا العافية في الدنيا والآخرة .

                                                                                      قال يحيى بن يمان : قال سفيان : ما شيء أبغض إلي من صحبة قارئ ، ولا شيء أحب إلي من صحبة فتى . أبو هشام : حدثنا وكيع : سمعت سفيان يقول : ليس الزهد بأكل الغليظ ، ولبس الخشن ، ولكنه قصر الأمل ، وارتقاب الموت . يحيى بن يمان : سمعت سفيان يقول : المال داء هذه الأمة ، والعالم طبيب هذه الأمة ، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه ، فمتى يبرئ الناس ؟ [ ص: 244 ] وعن سفيان قال : ما نعلم شيئا أفضل من طلب العلم بنية . الخريبي : عن سفيان : قال : احذر سخط الله في ثلاث : احذر أن تقصر فيما أمرك ، واحذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك ، وأن تطلب شيئا من الدنيا فلا تجده ، أن تسخط على ربك .

                                                                                      قال خالد بن نزار الأيلي : قال سفيان : الزهد زهدان : زهد فريضة ، وزهد نافلة . فالفرض : أن تدع الفخر والكبر والعلو ، والرياء والسمعة ، والتزين للناس . وأما زهد النافلة : فأن تدع ما أعطاك الله من الحلال ، فإذا تركت شيئا من ذلك ، صار فريضة عليك ألا تتركه إلا لله .

                                                                                      وقيل : إن عبد الصمد عم المنصور ، دخل على سفيان يعوده ، فحول وجهه إلى الحائط ، ولم يرد السلام ، فقال عبد الصمد : يا سيف ! أظن أبا عبد الله نائما . قال : أحسب ذاك - أصلحك الله - فقال سفيان : لا تكذب ، لست بنائم . فقال عبد الصمد : يا أبا عبد الله ! لك حاجة ؟ قال : نعم ، ثلاث حوائج : لا تعود إلي ثانية ، ولا تشهد جنازتي ، ولا تترحم علي . فخجل عبد الصمد ، وقام ، فلما خرج ، قال : والله لقد هممت أن لا أخرج إلا ورأسه معي .

                                                                                      قال يوسف بن أسباط : قال سفيان : زينوا العلم والحديث بأنفسكم ، ولا تتزينوا به .

                                                                                      قال محمد بن سعد : طلب سفيان ، فخرج إلى مكة ، فنفذ المهدي إلى محمد بن إبراهيم - وهو على مكة - في طلبه ، فأعلم سفيان بذلك ، وقال له محمد : إن كنت تريد إتيان القوم ، فاظهر حتى أبعث بك إليهم ، وإلا فتوار . قال : فتوارى سفيان ، وطلبه محمد ، وأمر مناديا فنادى بمكة : من جاء بسفيان ، فله كذا وكذا ، فلم يزل متواريا بمكة ، لا يظهر إلا لأهل العلم ، ومن لا يخافه . [ ص: 245 ] وعن أبي شهاب الحناط قال : بعثت أخت سفيان بجراب معي إلى سفيان ، وهو بمكة ، فيه كعك وخشكنان فقدمت ، فسألت عنه ، فقيل لي : ربما قعد عند الكعبة مما يلي الحناطين ، فأتيته ، فوجدته مستلقيا ، فسلمت عليه ، فلم يسائلني تلك المساءلة ، ولم يسلم علي كما كنت أعرفه ، فقلت : إن أختك بعثت معي بجراب ، فاستوى جالسا ، وقال : عجل بها . فكلمته في ذلك . فقال : يا أبا شهاب ! لا تلمني ، فلي ثلاثة أيام لم أذق فيها ذواقا ، فعذرته .

                                                                                      قال ابن سعد : فلما خاف من الطلب بمكة ، خرج إلى البصرة ، ونزل قرب منزل يحيى بن سعيد ، ثم حوله إلى جواره ، وفتح بينه وبينه بابا ، فكان يأتيه بمحدثي أهل البصرة ، يسلمون عليه ، ويسمعون منه . أتاه جرير بن حازم ، ومبارك بن فضالة ، وحماد بن سلمة ، ومرحوم العطار ، وحماد بن زيد ، وأتاه عبد الرحمن بن مهدي ، فلزمه ، وكان أبو عوانة يسلم على سفيان بمكة ، فلم يرد عليه ، فكلم في ذلك ، فقال : لا أعرفه . ولما عرف سفيان أنه اشتهر مكانه ومقامه ، قال ليحيى : حولني ، فحوله إلى منزل الهيثم بن منصور ، فلم يزل فيه ، فكلمه حماد بن زيد في تنحيه عن السلطان ، وقال : هذا فعل أهل البدع ، وما يخاف منهم . فأجمع سفيان وحماد على أن يقدما بغداد ، وكتب سفيان إلى المهدي وإلى يعقوب بن داود الوزير ، فبدأ بنفسه ، فقيل : إنهم يغضبون من هذا . فبدأ بهم ، وأتاه جواب كتابه بما يحب من التقريب والكرامة ، والسمع منه والطاعة ، فكان على الخروج إليه ، فحم ومرض ، وحضر الموت ، فجزع ، فقال له مرحوم بن عبد العزيز : ما هذا الجزع ؟ فإنك تقدم على الرب الذي كنت تعبده . فسكن وقال : انظروا من هنا من أصحابنا [ ص: 246 ] الكوفيين . فأرسلوا إلى عبادان ، فقدم عليه جماعة ، وأوصى ، ثم مات . وأخرجت جنازته على أهل البصرة فجأة ، فشهده الخلق ، وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر ، وكان رجلا صالحا ، ونزل في حفرته هو وخالد بن الحارث .

                                                                                      أبو هشام الرفاعي : حدثنا وكيع ، قال : دخل عمر بن حوشب الوالي على سفيان ، فسلم عليه ، فأعرض عنه ، فقال : يا سفيان ! نحن - والله - أنفع للناس منك ، نحن أصحاب الديات ، وأصحاب الحمالات ، وأصحاب حوائج الناس والإصلاح بينهم ، وأنت رجل نفسك . فأقبل عليه سفيان ، فجعل يحادثه ، ثم قام ، فقال سفيان : لقد ثقل علي حين دخل ، ولقد غمني قيامه من عندي حين قام .

                                                                                      قال عبد الرزاق : ما رأيت أحدا أحفظ لما عنده من الثوري . قيل له : ما منعك أن ترحل إلى الزهري ؟ قال : لم تكن دراهم .

                                                                                      قال يحيى القطان : سفيان الثوري فوق مالك في كل شيء . رواها ابن المديني عنه .

                                                                                      قال ابن مهدي : قال لي سفيان : لو كانت كتبي عندي ، لأفدتك علما ، كتبي عند عجوز بالنيل . الكديمي : حدثنا أبو حذيفة : سمعت سفيان يقول : كنا نأتي أبا إسحاق الهمداني وفي عنق إسرائيل - يعني حفيده - طوق من ذهب . ابن المديني قال : كان ابن المبارك يقول : إذا اجتمع هذان على [ ص: 247 ] شيء ، فذاك قوي - يعني سفيان ، وأبا حنيفة .

                                                                                      علي بن مسهر : عن سفيان ، قال : حفاظ الناس أربعة : يحيى بن سعيد الأنصاري ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وعاصم الأحول . قلت : فالأعمش ؟ فأبى أن يجعله معهم . أحمد بن يونس : سمعت زائدة ، وذكر عنده سفيان ، فقال : ذاك أفقه أهل الدنيا . وكيع : عن شعبة ، قال : سفيان أحفظ مني .

                                                                                      ابن حميد : سمعت مهران الرازي يقول : كتبت عن سفيان الثوري أصنافه ، فضاع مني كتاب الديات ، فذكرت ذلك له ، فقال : إذا وجدتني خاليا فاذكر لي حتى أمله عليك . فحج ، فلما دخل مكة ، طاف بالبيت ، وسعى ، ثم اضطجع ، فذكرته ، فجعل يملي علي الكتاب ، بابا في إثر باب ، حتى أملاه جميعه من حفظه .

                                                                                      قال الزعفراني : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عفان : أيهما أكثر غلطا ، سفيان أو شعبة ؟ قال : شعبة بكثير . فقال أحمد : في أسماء الرجال . عبد الرزاق : سمعت سفيان يقول : سلوني عن علم القرآن والمناسك ، فإني عالم بهما .

                                                                                      أبو قدامة : سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما كتبت عن سفيان ، عن الأعمش أحب إلي مما كتبته عن الأعمش

                                                                                      إبراهيم بن أبي الليث : سمعت الأشجعي يقول : سمعت من الثوري ثلاثين ألف حديث .

                                                                                      قال يحيى القطان : مات ابن أبي خالد وأنا بالكوفة ، فجلس إلى جنبي [ ص: 248 ] سفيان ننتظر الجنازة ، فقال : يا يحيى ! خذ حتى أحدثك عن إسماعيل بعشرة أحاديث ، لم تسمع منها بشيء ، فحدثني بعشرة ، وكنت بمكة ، وبها الأوزاعي ، فلقيني سفيان الثوري على الصفا ، فقال : يا يحيى ! خرج الأوزاعي الليلة ؟ قلت : نعم فقال : اجلس ، لا تبرح حتى أحدثك عنه بعشرة لم تسمع منها بشيء . قلت : وأي شيء سمعت أنا منه ؟ فلم يدعني حتى حدثني عنه بعشرة أحاديث ، لم أسمع منها بواحد .

                                                                                      قال الأشجعي : سمعت سفيان يقول : لو هم رجل أن يكذب في الحديث ، وهو في بيت في جوف بيت ، لأظهر الله عليه .

                                                                                      عن ابن مهدي قال : ما رأيت رجلا أعرف بالحديث من الثوري . القواريري : قال يحيى القطان : بات عندي سفيان الثوري ، فحدثته بحديثين ، أحدهما : عن عمرو بن عبيد ، فقام يصلي ، فرفعت المصلى ، فإذا هو قد كتبهما عني .

                                                                                      أبو مسهر : عن عيسى بن يونس ، قال : دخل سفيان الثوري على محمد بن سعيد بن أبي قيس الأزدي ، فاحتبس عنده ، ثم خرج إلينا ، فقال : إنه كذاب .

                                                                                      قال أبو مسهر : قتله أبو جعفر في الزندقة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية