الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6156 حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال حدثني أبو حازم قال سمعت سهل بن سعد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لأحد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9747 الحديث الثالث قوله ( محمد بن جعفر أي ابن أبي كثير وأبو حازم هو سلمة بن دينار .

                                                                                                                                                                                                        قوله يحشر الناس بضم أوله

                                                                                                                                                                                                        قوله أرض عفراء ) قال الخطابي العفر بياض ليس بالناصع وقال عياض : العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلا ومنه سمي عفر الأرض وهو وجهها وقال ابن فارس : معنى عفراء خالصة البياض وقال الداودي : شديدة [ ص: 383 ] البياض كذا قال والأول هو المعتمد

                                                                                                                                                                                                        قوله كقرصة النقي بفتح النون وكسر القاف أي الدقيق النقي من الغش والنخال قاله الخطابي .

                                                                                                                                                                                                        قوله قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لأحد ) هو موصول بالسند المذكور وسهل هو راوي الخبر وأو للشك والغير المبهم لم أقف على تسميته ووقع هذا الكلام الأخير لمسلم من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر مدرجا بالحديث ولفظه : ليس فيها علم لأحد " ومثله لسعيد بن منصور عن ابن أبي حازم عن أبيه والعلم والمعلم بمعنى واحد قال الخطابي : يريد أنها مستوية . والمعلم بفتح الميم واللام بينهما مهملة ساكنة هو الشيء الذي يستدل به على الطريق .

                                                                                                                                                                                                        وقال عياض : المراد أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يهتدى بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة وفيه تعريض بأرض الدنيا وأنها ذهبت وانقطعت العلاقة منها وقال الداودي : المراد أنه لا يحوز أحد منها شيئا إلا ما أدرك منها وقال أبو محمد بن أبي جمرة : فيه دليل على عظيم القدرة والإعلام بجزئيات يوم القيامة ليكون السامع على بصيرة فيخلص نفسه من ذلك الهول لأن في معرفة جزئيات الشيء قبل وقوعه رياضة النفس وحملها على ما فيه خلاصها بخلاف مجيء الأمر بغتة وفيه إشارة إلى أن أرض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة جدا والحكمة في الصفة المذكورة أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرا عن عمل المعصية والظلم وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على أرض تليق بعظمته ولأن الحكم فيه إنما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصا له وحده انتهى ملخصا وفيه إشارة إلى أن أرض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن أرض الموقف تجددت

                                                                                                                                                                                                        وقد وقع للسلف في ذلك خلاف في المراد بقوله - تعالى - يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات هل معنى تبديلها تغيير ذاتها وصفاتها أو تغيير صفاتها فقط وحديث الباب يؤيد الأول وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله - تعالى - يوم تبدل الأرض غير الأرض الآية قال تبدل الأرض أرضا كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف ; وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعا وقال الموقوف أصح وأخرجه الطبري والحاكم من طريق عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود بلفظ أرض بيضاء كأنها سبيكة فضة ورجاله موثقون أيضا ولأحمد من حديث أبي أيوب : أرض كالفضة البيضاء قيل فأين الخلق يومئذ قال هم أضياف الله لن يعجزهم ما لديه .

                                                                                                                                                                                                        وللطبري من طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعا يبدلها الله بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا وعن علي موقوفا نحوه ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد : أرض كأنها فضة والسماوات كذلك وعن علي والسماوات من ذهب وعند عبد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها .

                                                                                                                                                                                                        وفي حديث الصور الطويل تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة فإذا هم في هذه الأرض المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان على ظهرها كان عليها انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وهذا يؤخذ منه أن ذلك يقع عقب نفخة الصعق بعد الحشر الأول ويؤيده قوله - تعالى - وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت . وأما من ذهب إلى أن التغيير إنما يقع في صفات الأرض دون ذاتها فمستنده ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الخلائق . ومن حديث جابر رفعه تمد الأرض مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها إلا [ ص: 384 ] موضع قدميه ورجاله ثقات إلا أنه اختلف على الزهري في صحابيه ووقع في تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله - تعالى - يوم تبدل الأرض غير الأرض قال يزاد فيها وينقص منها ويذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الأديم العكاظي وعزاه الثعلبي في تفسيره لرواية أبي هريرة وحكاه البيهقي عن أبي منصور الأزهري وهذا وإن كان ظاهره يخالف القول الأول فيمكن الجمع بأن ذلك كله يقع لأرض الدنيا لكن أرض الموقف غيرها ويؤيده ما وقع في الحديث الذي قبله أن أرض الدنيا تصير خبزة والحكمة في ذلك ما تقدم أنها تعد لأكل المؤمنين منها في زمان الموقف ثم تصير نزلا لأهل الجنة وأما ما أخرجه الطبري من طريق المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال الأرض كلها تأتي يوم القيامة فالذي قبله عن ابن مسعود أصح سندا ولعل المراد بالأرض في هذه الرواية أرض البحر فقد أخرج الطبري أيضا من طريق كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا وفي تفسير للربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب : تصير السماوات جفانا ويصير مكان البحر نارا وأخرج البيهقي في " البعث " من هذا الوجه في قوله - تعالى - وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة قال يصيران غبرة في وجوه الكفار . قلت ويمكن الجمع بأن بعضها يصير نارا وبعضها غبارا وبعضها يصير خبزة وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها " سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية يوم تبدل الأرض غير الأرض أين يكون الناس حينئذ ؟ قال : على الصراط وفي رواية الترمذي " على جسر جهنم " ولأحمد من طريق ابن عباس عن عائشة " على متن جهنم " وأخرج مسلم أيضا من حديث ثوبان مرفوعا " يكونون في الظلمة دون الجسر " فقد جمع بينها البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط كما سيأتي بيانه في ترجمة مستقلة وأن في قوله على الصراط مجازا لكونهم يجاوزونه لأن في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها وكان ذلك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف ويشير إلى ذلك قوله - تعالى - : كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم واختلف في السماوات أيضا فتقدم قول من قال إنها تصير جفانا وقيل إنها إذا طويت تكور شمسها وقمرها وسائر نجومها وتصير تارة كالمهل وتارة كالدهان وأخرج البيهقي في " البعث " من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود قال السماء تكون ألوانا كالمهل وكالدهان وواهية وتشقق فتكون حالا بعد حال وجمع بعضهم بأنها تنشق أولا فتصير كالوردة وكالدهان وواهية وكالمهل وتكور الشمس والقمر وسائر النجوم ثم تطوى السماوات وتضاف إلى الجنان ونقل القرطبي في " التذكرة " عن أبي الحسن بن حيدرة صاحب " الإفصاح " أنه جمع بين هذه الأخبار بأن تبديل السماوات والأرض يقع مرتين إحداهما تبدل صفاتهما فقط وذلك عند النفخة الأولى فتنثر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهمل وتكشط عن الرءوس وتسير الجبال وتموج الأرض وتنشق إلى أن تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض وتبدل السماء والأرض إلى آخر كلامه في ذلك والعلم عند الله - تعالى -




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية