الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أمر المتطوعة بالمعروف

وفي هذه السنة تجردت المتطوعة للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .

وكان سبب ذلك أن فساق بغداذ والشطار آذوا الناس أذى شديدا ، وأظهروا الفسق ، وقطعوا الطريق ، وأخذوا النساء والصبيان علانية ، وكانوا يأخذون ولد الرجل وأهله ، فلا [ ص: 483 ] يقدر أن يمتنع منهم ، وكانوا يطلبون من الرجل أن يقرضهم أو يصلهم ، فلا يقدر على الامتناع ، وكانوا ينهبون القرى لا سلطان يمنعهم ، ولا يقدر عليهم ، لأنه كان يغريهم ، وهم بطانته ، وكانوا يمسكون المجتازين في الطريق ، ولا يعدي عليهم أحد ، وكان الناس معهم في بلاء عظيم .

وآخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطربل ، وانتهبوها علانية ، وأخذوا العين والمتاع والدواب ، فباعوها ببغداذ ظاهرا ، واستعدى أهلها السلطان ، فلم يعدهم ، وكان ذلك آخر شعبان .

فلما رأى الناس ذلك قام صلحاء كل ربض ودرب ، ومشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : إنما في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة ، وأنتم أكثر منهم ، فلو اجتمعتم لقمعتم هؤلاء الفساق ، ولعجزوا عن الذي يفعلونه ، فقام رجل يقال له خالد الدريوش ، فدعا جيرانه وأهل محلته ، على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأجابوه إلى ذلك ، فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم ، وامتنعوا عليه ، وأرادوا قتاله فقاتلهم ، فهزمهم وضرب من أخذه من الفساق ، وحبسهم ، ورفعهم إلى السلطان ، إلا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئا .

ثم قام بعده رجل من الحربية يقال له سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان ، ويكنى أبا حاتم ، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والعمل بالكتاب والسنة ، وعلق مصحفا في عنقه ، وأمر أهل محلته ونهاهم ، فقبلوا منه ، ودعا الناس جميعا ، الشريف والوضيع ، من بني هاشم وغيرهم ، فأتاه خلق عظيم فبايعوه على ذلك ، وعلى القتال معه لمن خالفه ، وطاف ببغداذ وأسواقها .

وكان قيام سهل لأربع خلون من رمضان ، وقيام الدريوش قبله بيومين أو ثلاثة .

وبلغ خبر قيامهما إلى منصور بن المهدي وعيسى بن محمد بن أبي خالد ، فكسرهما ذلك ; لأن أكثر أصحابهما كان الشطار ومن لا خير فيه ، ودخل منصور بغداذ ، وكان عيسى يكاتب الحسن بن سهل في الأمان ، فأجابه الحسن إلى الأمان له ولأهل بغداذ ، وأن يعطي جنده وأهل بغداذ رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة ، ورحل عيسى فدخل بغداذ لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال ، وتفرقت العساكر ، فرضي أهل بغداذ بما [ ص: 484 ] صالح عليه ، وبقي سهل على ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية