الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت قتلى الخوارج أيصلى عليهم أم لا ؟ قال : قال لي مالك في القدرية والإباضية : لا يصلى على موتاهم ولا تشهد جنائزهم ولا تعاد مرضاهم ، فإذا قتلوا فأحرى أن لا يصلى عليهم . ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : ذكرت الخوارج واجتهادهم عند ابن عباس وأنا عنده ، فسمعته يقول : ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى ثم هم يضلون . ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عبد الكريم : أن الحرورية خرجت فنازعوا عليا وفارقوه وشهدوا عليه بالشرك .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما ، إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم ، فقال يا رسول الله : اعدل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال عمر : ائذن لي يا رسول الله فيه أضرب عنقه ، فقال : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء وهو القدح ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على خير فرقة من الناس } قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن عمرو بن [ ص: 531 ] الحارث عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الحرورية لما خرجت وهي مع علي بن أبي طالب فقالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، ويقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه كطي شاة أو حلمة ثدي ، فلما قاتلهم علي بن أبي طالب ، قال : انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا والله وتالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه ، قال عبد الله : أنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم . قال بكير بن الأشج وحدثني رجل عن ابن جبير أنه قال : رأيت ذلك الأسود . عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج ، أن رجلا حدثه عن ابن عباس أنه قال : أرسلني علي إلى الحرورية لأكلمهم ، فلما قالوا : لا حكم إلا لله ، فقلت أجل صدقتم لا حكم إلا لله وإن الله قد حكم في رجل وامرأة ، وحكم في قتل الصيد ، فالحكم في رجل وامرأة وصيد أفضل من الحكم في الأمة ترجع به وتحقن دماءها ويلم شعثها ، فقال ابن الكوي : دعوهم فإن الله قد أنبأكم أنهم قوم خصمون .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر وذكر الحرورية ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية } . ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب ، قال : هاجت الفتنة الأولى فأدركت رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغنا أنهم كانوا يرون أن يهدر أمر الفتنة ، فلا يقيمون فيه على رجل قاتل في تأويل القرآن قصاصا فيمن قتل ، ولا حد في سبي امرأة سبيت ، ولا نرى بينها وبين زوجها ملاعنة ، ولا نرى أن يقذفها أحد إلا جلد الحد ، ونرى أن ترد إلى زوجها الأول بعد أن تعتد فتنقضي عدتها من زوجها الآخر ، ونرى أن ترث زوجها الأول . ابن وهب ، وذكر عن ابن شهاب قال : لا يضمن مال ذهب إلا أن يوجد شيء بعينه فيرد إلى أهله مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك قال : سألني عمر بن عبد العزيز وأنا معه ما ترى في هؤلاء القدرية ؟ قال : فقلت استتبهم فإن قبلوا ذلك وإلا فأعرضهم على السيف ، قال عمر : وأنا أرى ذلك ، قال مالك : ورأيي على ذلك . أسامة بن زيد عن أبي سهيل بن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال له : ما الحكم في هؤلاء القدرية ؟ قال : قلت يستتابون ، فإن تابوا قبل ذلك منهم ، وإن لم يتوبوا قتلوا على وجه البغي ، قال عمر : ذلك رأيي فيهم ويحهم فأين هم عن هذه الآية { فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم } .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية