الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمود بن غيلان ويوسف بن عيسى قالا : حدثنا وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس ) أي على المنبر ، كما في رواية مسلم وبهذا يندفع ما قال بعضهم من أن لبس السواد إنما كان في فتح مكة فقط ; لأن خطبته صلى الله عليه وسلم بمكة لم يكن على منبر بل كان على باب الكعبة والله أعلم .

ولهذا ذكر صاحب المصابيح هذا الحديث في باب خطبة الجمعة ( وعليه عمامة سوداء ) أي قد أرخى طرفيها بين كتفيه يوم الجمعة كما رواه مسلم كذا في المشكاة ، وفي بعض نسخ الشمائل عصابة سوداء ، وهي بمعنى العمامة على ما في المغرب والقاموس ، مأخوذة من العصب وهو الشد لما يشد به ، وهذه النسخة تساعد ما تقدم من كون العمامة تحت المغفر ، والله أعلم .

قال ميرك : حديث عمرو بن حريث في معنى حديث جابر وأورده من طريقين ، وزاد في الطريق الثاني خطب الناس أي يوم فتح مكة ، وهذه الخطبة عند باب الكعبة على ما يفهم من كلام العسقلاني ، وأخرج مسلم من طريق أبي أسامة عن مساور ، قال : حدثني جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه ، قال : كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء ، قد أرخى طرفيها بين كتفيه ، وقوله : طرفيها بالتثنية في أكثر نسخ مسلم ، وفي بعضها بالإفراد قال القاضي عياض : وهو الصواب المعروف انتهى . وقد لبس السواد جماعة كعلي يوم قتل عثمان وغيره ، كالحسن كان يخطب بثياب سود وعمامة سوداء ، أو عصابة وابن الزبير كان يخطب بعمامة سوداء ، ومعاوية فإنه لبس عمامة سوداء وجبة سوداء وعصابة سوداء ، وأنس وعبد الله بن حذاء وعمار كان يخطب كل جمعة بالكوفة وهو أميرها وعليه عمامة سوداء ، وابن المسيب كان يلبسها في العيدين ، وابن عباس كان يعتم بها وورد بسند واه هبط علي جبريل وعليه قباء أسود وعمامة سوداء ، فقلت : ما هذه الصورة لم أرك هبطت بها علي ، قال هذه صورة الملوك من ولد العباس عمك ، قلت : وهم على حق ، قال جبريل : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر للعباس وولده حيث كانوا ، وأين كانوا ، قال جبريل : ليأتين على أمتك زمان يعز الله فيه الإسلام بهذا السواد ، فقلت : رياستهم ممن ؟ قال من ولد العباس ، قلت : ومن أتباعهم ؟ قال : من أهل خراسان ، قلت : وأي شيء يملكون ؟ قال : الأخضر والأصفر والحجر والمدر والسرير والمنبر والدنيا إلى المحشر ، والملك إلى المنشر ، وسأل الرشيد الأوزاعي عنه ، فأجابه بأنه يكرهه ; لأنه لا يجلى فيه عروس ، ولا يلبي فيه محرم ، ولا يكفن فيه ميت ، قال النووي في حديث جواز لبس الأسود في الخطبة ، وإن كان الأبيض أفضل منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية