الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (2) قوله تعالى : أكان للناس عجبا أن أوحينا : الهمزة للإنكار و " أن أوحينا " اسمها . و " عجبا " خبرها . و " للناس " متعلق بمحذوف على أنه حال من " عجبا " لأنه في الأصل صفة له ، أو متعلق بـ " عجبا " ، ولا يضر كونه مصدرا لأنه يتسع في الظرف وعديله ما لا يتسع في غيرهما . وقيل : لأن " عجبا " مصدر واقع موقع اسم الفاعل أو اسم المفعول ، ومتى كان كذلك جاز تقديم معموله . وقيل : هو متعلق بـ " كان " الناقصة ، وهذا على رأي من يجيز فيها ذلك . وهذا مرتب على الخلاف في دلالة " كان " الناقصة على الحدث ، فإن قلنا : إنها تدل على ذلك فيجوز وإلا فلا وقيل : هو متعلق بمحذوف على التبين ، والتقدير في الآية : أكان إيحاؤنا إلى رجل منهم عجبا لهم . و " منهم " صفة لـ " رجل " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ رؤبة " رجل " بسكون الجيم ، وهي لغة تميم ، يسكنون فعلا [ ص: 145 ] نحو : سبع وعضد . وقرأ عبد الله بن مسعود " عجب " . وفيها تخريجان ، أظهرهما : أنها التامة ، أي : أحدث للناس عجب ، و " أن أوحينا " متعلق بـ " عجب " على حذف لام العلة ، أي : عجب لأن أوحينا ، أو يكون على حذف " من " ، أي : من أن أوحينا . والثاني : أن تكون الناقصة ، ويكون قد جعل اسمها النكرة وخبرها المعرفة ، على حد قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2559 - ... ... ... ... يكون مزاجها عسل وماء

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : " والأجود أن تكون التامة ، و " أن أوحينا " بدل من " عجب " . يعني به بدل اشتمال أو كل من كل ؛ لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة . والتخريج الثاني لابن عطية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أن أنذر يجوز أن تكون المصدرية ، وأن تكون التفسيرية . ثم لك في المصدرية اعتباران ، أحدهما : أن تجعلها المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن محذوف . كذا قال الشيخ ، وفيه نظر من حيث إن أخبار هذه الأحرف لا تكون جملة طلبية ، حتى لو ورد ما يوهم ذلك يؤول على إضمار القول كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2560 - ولو أصابت لقالت وهي صادقة     إن الرياضة لا تنصبك للشيب



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 146 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2561 - إن الذين قتلتم أمس سيدهم     لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما



                                                                                                                                                                                                                                      وأيضا فإن الخبر في هذا الباب إذا وقع جملة فعلية فلا بد من الفصل بأشياء ذكرتها في المائدة ، ولكن ذلك الفاصل هنا متعذر . والثاني : أنها التي بصدد أن تنصب الفعل المضارع ، وهي توصل بالفعل المتصرف مطلقا نحو : " كتبت إليه بأن قم " . وقد تقدم لنا في ذلك بحث أيضا ولم يذكر المنذر به ، وقد ذكر المبشر به كما سيأتي لأن المقام يقتضي ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أن لهم قدم " أن " وما في حيزها هي المبشر بها ، أي : بشرهم باستقرار قدم صدق ، فحذفت الباء ، فجرى في محلها المذهبان . والمراد بقدم صدق السابقة والفضل والمنزلة الرفيعة . وإليه ذهب الزجاج والزمخشري ومنه قول ذي الرمة :


                                                                                                                                                                                                                                      2562 - لهم قدم لا ينكر الناس أنها     مع الحسب العادي طمت على البحر



                                                                                                                                                                                                                                      لما كان السعي والسبق بالقدم سمي السعي المحمود قدما ، كما سميت اليد نعمة لما كانت صادرة عنها ، وأضيف إلى الصدق دلالة على فضله ، وهو من باب: رجل صدق ورجل سوء . وقيل : هو سابقة الخير التي قدموها ، ومنه قول وضاح اليمني :


                                                                                                                                                                                                                                      2563 – ما لك وضاح دائم الغزل     ألست تخشى تقارب الأجل
                                                                                                                                                                                                                                      صل لذي العرش واتخذ قدما     تنجيك يوم العثار والزلل

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 147 ] وقيل : هو التقدم في الشرف ، ومنه قول العجاج :


                                                                                                                                                                                                                                      2564 - ذل بنو العوام من آل الحكم     وتركوا الملك لملك ذي قدم



                                                                                                                                                                                                                                      أي : ذي تقدم وشرف . و " لهم " خبر مقدم ، و " قدم " اسمها ، و " عند ربهم " صفة لـ " قدم " . ومن جوز أن يتقدم معمول خبر " أن " على اسمها إذا كان حرف جر كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2565 - فلا تلحني فيها فإن بحبها     أخاك مصاب القلب جم بلابله



                                                                                                                                                                                                                                      قال : فـ " بحبها " متعلق بـ " مصاب " ، وقد تقدم على الاسم فكذلك " لهم " يجوز أن يكون متعلقا بـ " عند ربهم " لما تضمن من الاستقرار ، ويكون " عند ربهم " هو الخبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر " لسحر " والباقون " لساحر " ، فـ " هذا " يجوز أن يكون إشارة للقرآن ، وأن يكون إشارة للرسول على القراءة الأولى ، ولكن لا بد من تأويل على قولنا : إن المشار إليه هو النبي عليه السلام ، أي : ذو سحر أو جعلوه إياه مبالغة . وأما على القراءة الثانية فالإشارة للرسول عليه السلام فقط .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية