الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ميراث البنات

                                                                                                                                                                                                        6352 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري قال أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال مرضت بمكة مرضا فأشفيت منه على الموت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت فالشطر قال لا قلت الثلث قال الثلث كبير إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك فقلت يا رسول الله آأخلف عن هجرتي فقال لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ولعل أن تخلف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة قال سفيان وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي [ ص: 16 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 16 ] قوله : ( باب ميراث البنات ) الأصل فيه كما تقدم في أول كتاب الفرائض قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقد تقدمت الإشارة إليه وإلى سبب نزولها ، وأن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون البنات كما حكاه أبو جعفر بن حبيب في " كتاب المحبر " وحكى أن بعض عقلاء الجاهلية ورث البنت لكن سوى بينها وبين الذكر وهو عامر بن جشم بضم الجيم وفتح المعجمة ، وقد تمسك بالسبب المذكور من أجاب عن السؤال المشهور في قوله تعالى : فإن كن نساء فوق اثنتين حيث قيل : ذكر في الآية حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن دون الانفراد وذكر حكم البنت الواحدة في الحالين ، وكذا حكم ما زاد على البنتين .

                                                                                                                                                                                                        وقد انفرد ابن عباس بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور ، واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم الثلاث فما زاد ، ودليله بيان السنة ؛ فإن الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد عليهما ، وذلك واضح في سبب النزول فإن العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال - صلى الله عليه وسلم - لها : يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث ، فأرسل إلى العم فقال : أعط بنتي سعد الثلثين فلا يرد على ذلك أنه يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة فإنه بيان لا نسخ ، وقيل بالقياس على الأختين ، وهما أولى لما يختص بهما من أنهما أمس رحما بالميت من أختيه فلا يقصر بهما عنهما ، وقيل : إن لفظ " فوق " في الآية مقحم وهو غلط ، وقال المبرد : يؤخذ من جهة أن أقل عدد يجتمع فيه الصنفان ذكر وأنثى فإن كان للواحدة الثلث كان للبنتين الثلثان ، وقال إسماعيل القاضي في " أحكام القرآن " : يؤخذ ذلك من قوله تعالى : للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه يقتضي أنه إذا كان ذكر وأنثى فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث ، فإذا استحقت الثلث مع الذكر فاستحقاقها الثلث مع أنثى مثلها بطريق الأولى .

                                                                                                                                                                                                        وقال السهيلي : يؤخذ ذلك من المجيء بلام التعريف التي للجنس في قوله : حظ الأنثيين ؛ فإنه يدل على أنهما استحقا الثلثين وأن الواحدة لها مع الذكر الثلث ، وكان ظاهر ذلك أنهن لو كن ثلاثا لاستوعبن المال ، فلذلك ذكر حكم الثلاث فما زاد واستغنى عن إعادة حكم الأنثيين ; لأنه قد تقدم بدلالة اللفظ .

                                                                                                                                                                                                        وقال صاحب " الكشاف " : وجهه أن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة فالاثنتان كذلك يحوزان [ ص: 17 ] الثلثين ، فلما ذكر ما دل على حكم الثنتين ذكر بعده حكم ما فوق الثنتين ، وهو منتزع من كلام القاضي ، وقرر الطيبي فقال : اعتبر القاضي الفاء في قوله تعالى : فإن كن نساء لأن مفهوم ترتيب الفاء ومفهوم الوصف في قوله : فوق اثنتين مشعران بذلك ، فكأنه لما قال : للذكر مثل حظ الأنثيين علم بحسب الظاهر من عبارة النص حكم الذكر مع الأنثى إذا اجتمعا ، وفهم منه بحسب إشارة النص حكم الثنتين لأن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة ، فالثنتان يحوزان الثلثين .

                                                                                                                                                                                                        ثم أراد أن يعلم حكم ما زاد على الثنتين فقال : فإن كن نساء فوق اثنتين فمن نظر إلى عبارة النص قال : أريد حالة الاجتماع دون الانفراد ، ومن نظر إلى إشارة النص قال : إن حكم الثنتين حكم الذكر مطلقا . واعترض على هذا التقرير بأنه ثبت بما ذكر أن لهما الثلثين في صورة ما ، وليست هي صورة الاجتماع دائما ; إذ ليس للبنتين مع الابن الثلثان ، والجواب عنه عسر إلا إن انضم إليه أن الحديث بين ذلك ، ويعتذر عن ابن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية وفهم أن قوله : فوق اثنتين لانتفاء الزيادة على الثلثين لا لإثبات ذلك للثنتين ، وكذا يرد على جواب السهيلي أن الاثنتين لا يستمر الثلثان حظهما في كل صورة ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف في الباب حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث ، وقد مضى شرحه مستوفى في الوصايا ، والغرض منه قوله : وليس يرثني إلا ابنتي وقد تقدم أن الذي نفاه سعد أولاده ، وإلا فقد كان له من العصبات من يرثه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية