الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1202 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          والقرض جائز في الجواري ، والعبيد ، والدواب ، والدور ، والأرضين ، وغير ذلك لعموم قوله تعالى : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } فعم تعالى ولم يخص فلا يجوز التخصيص في ذلك بالرأي الفاسد بغير قرآن ، ولا سنة .

                                                                                                                                                                                          وقولنا في هذا هو قول المزني ، وأبي سليمان ، ومحمد بن جرير ، وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          ومنع من ذلك أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، في الجواري خاصة ، وما نعلم لهم حجة أصلا ، لا من قرآن ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ولا من قول صاحب ، ولا من إجماع ، ولا من قياس ، ولا من رأي سديد ، إلا أن بعضهم قال : لا يجوز ذلك ، لأنه يطؤها ، ثم يردها إليه فيكون فرجا معارا .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما قولهم : يطؤها ثم يردها عليه ، فهم يوجبون هذا نفسه في التي يجد بها عيبا - فإن ادعوا إجماعا ؟ - قلنا : كذبتم ، قد صح عن علي وشريح : المنع من الرد بالعيب بعد الوطء - ثم لو صح لهم أنه إجماع للزمهم لأنهم أصحاب قياس أن يقيسوا ما اختلف فيه على ما يزعمون أنه اتفق عليه فهذا أصلهم في القياس ، فأنى بدا لهم عنه ؟ ثم نقول لهم : فإذا وطئها ثم ردها فكان ماذا ؟ وطئها بحق بنص القرآن قال تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون }

                                                                                                                                                                                          ثم إن ردها ردها بحق ، لأنه أدى ما عليه فانتقلت من حق إلى حق .

                                                                                                                                                                                          وأما قولهم : إنه فرج معار - : فكذب وباطل ، لأن العارية لا يزول عنها ملك المعير ، فحرام على غيره وطؤها ، لأنه ملك يمين غيره .

                                                                                                                                                                                          وأما المستقرضة فهي ملك يمين المستقرض فهي له حلال ، وهو مخير بين أن يردها ، أو يمسكها أو يرد غيرها ، وليست العارية كذلك .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : هو بشيع شنيع ؟ قلنا : لا شنعة ، ولا بشاعة في الحلال ، وأنتم لا تستبشعون مثله من أن يكون إنسان يبيع جارية من غيره فيطؤها ، ثم يبتاعها الذي باعها فيستبرئها بحيضة ، ثم يطؤها ، ثم يبتاعها الذي باعها منه - وهكذا أبدا . [ ص: 356 ] ومن أن يكون إنسان يتزوج امرأة فيطؤها ثم يطلقها ، فتعتد خمسة وأربعين يوما وهي مصدقة عنده ، ثم يتزوجها جاره فيطؤها ثم يطلقها ، فتعتد كذلك ، ثم يتزوجها الأول فيطؤها ثم يطلقها - وهكذا أبدا .

                                                                                                                                                                                          فأي فرق بين هذا وبين ما منعوا منه من قرض الجواري ؟

                                                                                                                                                                                          إنما الشنيع البشيع الفظيع مما يقولونه : من أن رجالا تكون بينهم أمة يطؤها كل واحد منهم ، فلا يرون في ذلك حدا ويلحقون الولد بهذا الوطء الحرام الخبيث .

                                                                                                                                                                                          ومن أن يطأ الوالد أم ولد ابنه فلا يرون عليه حدا ويلحقون الولد في هذا الوطء الفاحش ، لا سيما الحنفيين الذين يقولون : من عشق امرأة جاره فرشا شاهدين فشهدا له بأن زوجها طلقها ، وأنها اعتدت ، وأنها تزوجت هذا - وهي منكرة وزوجها منكر - والله تعالى يعلم أنهما كاذبان ، فقضى القاضي بذلك فإنه يطؤها حلالا طيبا - فهذه هي الشناعة المضاهية لخلاف الإسلام - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية