الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويجب تكبير التشريق ) في الأصح [ ص: 178 ] للأمر به ( مرة ) وإن زاد عليها يكون فضلا قاله العيني . صفته ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) هو المأثور عن الخليل . والمختار أن الذبيح إسماعيل . [ ص: 179 ] وفي القاموس أنه الأصح قال : ومعناه مطيع الله ( عقب كل فرض ) عيني بلا فصل يمنع البناء ( أدى بجماعة ) أو قضي فيها منها من عامه لقيام وقته كالأضحية ( مستحبة ) خرج جماعة النساء والغزاة لا العبيد في الأصح جوهرة ، أوله ( من فجر عرفة ) وآخره ( إلى عصر العيد ) بإدخال الغاية فهي ثمان صلوات ووجوبه ( على إمام مقيم ) بمصر ( و ) على مقتد ( مسافر أو قروي أو امرأة ) بالتبعية لكن المرأة تخافت ويجب على مقيم اقتدى بمسافر ( وقالا بوجوبه [ ص: 180 ] فور كل فرض مطلقا ) ولو منفردا أو مسافرا أو امرأة لأنه تبع للمكتوبة ( إلى ) عصر اليوم الخامس ( آخر أيام التشريق وعليه الاعتماد ) والعمل والفتوى في عامة الأمصار وكافة الأعصار . ولا بأس به عقب العيد لأن المسلمين توارثوه فوجب اتباعهم ، وعليه البلخيون ، ولا يمنع العامة من التكبير في الأسواق في الأيام العشر وبه نأخذ بحر ومجتبى وغيره ( ويأتي المؤتم به ) وجوبا ( وإن تركه إمامه ) لأدائه بعد الصلاة . قال أبو يوسف : صليت بهم المغرب يوم عرفة فسهوت أن أكبر فكبر بهم أبو حنيفة ( والمسبوق يكبر ) وجوبا كاللاحق لكن ( عقب القضاء ) لما فاته ، ولو كبر الإمام لا تفسد ، ولو لبى فسدت ( ويبدأ الإمام بسجود السهو ) لوجوبه في تحريمتها ( ثم بالتكبير ) لوجوبه في حرمتها [ ص: 181 ] ( ثم بالتلبية لو محرما ) لعدمهما خلاصة . وفي الولوالجية : لو بدأ بالتلبية سقط السجود والتكبير .

التالي السابق


مطلب في تكبير التشريق

( قوله : ويجب تكبير التشريق ) نقل في الصحاح وغيره أن التشريق تقديد اللحم وبه سميت الأيام الثلاثة بعد يوم النحر . ونقل الخليل بن أحمد والنضر بن شميل عن أهل اللغة أنه التكبير فكان مشتركا بينهما والمراد هنا الثاني ، والإضافة فيه بيانية أي التكبير الذي هو التشريق . وبه اندفع ما قيل : إن الإضافة على قولهما لأنه لا تكبير في أيام التشريق عنده وتمامه في الأحكام للشيخ إسماعيل والبحر ( قوله في الأصح ) وقيل سنة وصحح أيضا لكن في الفتح أن الأكثر على الوجوب وحرر في البحر أنه لا خلاف لأن السنة المؤكدة والواجب متساويان رتبة في استحقاق الإثم بالترك .

[ ص: 178 ] مطلب يطلق اسم السنة على الواجب

قلت : وفيه نظر لما قدمناه عنه في بحث سنن الصلاة أن الإثم في ترك السنة أخف منه في ترك الواجب وحررنا هناك أن المراد من ترك السنة الترك بلا عذر على سبيل الإصرار كما في شرح التحرير فلا إثم في تركها مرة ، وهذا مخالف للواجب فالأحسن ما في البدائع من قوله الصحيح أنه واجب ، وقد سماه الكرخي سنة ثم فسره بالواجب فقال : تكبير التشريق سنة ماضية نقلها أهل العلم وأجمعوا على العمل بها ، وإطلاق اسم السنة على الواجب جائز لأن السنة عبارة عن الطريقة المرضية أو السيرة الحسنة ، وكل واجب هذا صفته . ا هـ .

قلت : ومنه إطلاق كثير على القعود الأول أنه سنة ( قوله للأمر به ) أي في قوله تعالى { واذكروا الله في أيام معدودات } وقوله تعالى { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } على القول بأن كليهما أيام التشريق ، وقيل المعدودات أيام التشريق والمعلومات أيام عشر ذي الحجة وتمامه في البحر ( قوله وإن زاد إلخ ) أفاد أن قوله مرة بيان للواجب ، لكن ذكر أبو السعود أن الحموي نقل عن القراحصاري أن الإتيان به مرتين خلاف السنة . ا هـ .

قلت : وفي الأحكام عن البرجندي ثم المشهور من قول علمائنا أنه يكبر مرة وقيل : ثلاث مرات ( قوله صفته إلخ ) فهو تهليلة بين أربع تكبيرات ثم تحميدة والجهر به واجب وقيل سنة قهستاني ( قوله هو المأثور عن الخليل ) وأصله أن جبريل عليه السلام لما جاء بالفداء خاف العجلة على إبراهيم فقال الله أكبر الله أكبر ، فلما رآه إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر فلما علم إسماعيل الفداء قال : الله أكبر ولله الحمد كذا ذكر الفقهاء ولم يثبت عند المحدثين كما في الفتح بحر أي هذه القصة لم تثبت أما التكبير على الصفة المذكورة فقد رواه ابن أبي شيبة بسند جيد عن ابن مسعود أنه كان يقوله ثم عمم عن الصحابة وتمامه في الفتح ، ثم قال فظهر أن جعل التكبيرات ثلاثا في الأول كما يقوله الشافعي لا ثبت له . مطلب المختار أن الذبيح إسماعيل

( قوله والمختار أن الذبيح إسماعيل ) وفي أول الحلية أنه أظهر القولين . ا هـ . قلت : وبه قال أحمد ورجحه غالب المحدثين ، وقال أبو حاتم إنه الصحيح والبيضاوي إنه الأظهر . وفي الهدي أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم والقول بأنه إسحاق مردود بأكثر من عشرين وجها . نعم ذهب إليه جماعة من الصحابة والتابعين ونسبه القرطبي إلى الأكثرين واختاره الطبري وجزم به في الشفاء وتمامه في شرح الجامع الصغير للعلقمي عند حديث الذبيح إسحاق . قال في البحر والحنفية مائلون إلى الأول ورجحه الإمام أبو الليث السمرقندي في البستان بأنه أشبه بالكتاب والسنة . فأما الكتاب فقوله - { وفديناه بذبح عظيم } - ثم قال بعد قصة الذبح - { وبشرناه بإسحاق } - الآية .

وأما الخبر فما روي عنه عليه الصلاة والسلام { أنا ابن الذبيحين } يعني أباه عبد الله وإسماعيل ، واتفقت الأمة أنه كان من ولد إسماعيل وقال أهل التوراة مكتوب في التوراة أنه كان إسحاق فإن صح ذلك فيها آمنا به ا هـ ونقل ح عن الخفاجي في شرح الشفاء أن الأحسن الاستدلال بقوله تعالى - { ومن وراء إسحاق يعقوب } - فإنه مع إخبار الله تعالى أباه [ ص: 179 ] بإتيان يعقوب من صلب إسحاق لا يتم ابتلاؤه بذبحه لعدم فائدته حينئذ ا هـ أي لأنه أمر بذبحه صغيرا ، فلا يمكن أن يكون الأمر بعد خروج يعقوب من صلبه فافهم ( قوله ومعناه ) أي في العربية ( قوله عقب كل فرض عيني ) شمل الجمعة . وخرج به الواجب كالوتر والعيدين والنفل . وعند البلخيين يكبرون عقب صلاة العيد لأدائها بجماعة كالجمعة وعليه توارث المسلمين فوجب اتباعه كما يأتي ، وخرج بالعيني الجنازة فلا يكبر عقبها أفاده في البحر .

( قوله بلا فصل يمنع البناء ) فلو خرج من المسجد أو تكلم عامدا أو ساهيا أو أحدث عامدا سقط عنه التكبير وفي استدبار القبلة روايتان . ولو أحدث ناسيا بعد السلام الأصح أنه يكبر ، ولا يخرج للطهارة فتح ( قوله : أدى بجماعة ) خرج القضاء في بعض الصور كما يأتي والانفراد ، وفيه خلافهما كما يأتي ( قوله : أو قضي فيها إلخ ) الفعل مبني للمجهول معطوف على أدى ، والمسألة رباعية فائتة غير العيد قضاها في أيام العيد فائتة أيام العيد قضاها في غير أيام العيد فائتة أيام العيد قضاها في أيام العيد من عام آخر فائتة أيام العيد قضاها في أيام العيد من عامه ذلك ولا يكبر إلا في الأخير فقط كذا في البحر ، فقوله أو قضي فيها أي في أيام العيد احترازا عن الثانية ، وقوله : منها أي حال كون المقضية في أيام العيد من أيام العيد احترز به عن الأولى ، وقوله من عامه أي حال كون أيام العيد التي تقضى فيها الصلاة التي فاتت في أيام العيد من عام الفوات احترز به عن الثالثة . ا هـ . ح .

( قوله لقيام وقته ) علة لوجوب تكبير التشريق في القضاء المذكور ح ( قوله كالأضحية ) فإنه إذا لم يفعلها في أول يوم يفعلها في الثاني أو الثالث إذا كانت من ذلك العام بخلاف أضحية عام سابق ( قوله في الأصح ) فإن الأصح أن الحرية ليست بشرط ; حتى لو أم العبد قوما وجب عليه وعليهم التكبير بحر ( قوله أوله من فجر عرفة ) أي في ظاهر الراوية وهو قول عمر وعلي وعن أبي يوسف من ظهر النحر وهو قول ابن عمر وزيد بن ثابت كما في المحيط قهستاني ( قوله فهي ثمان ) بإظهار الإعراب أو بإعراب المنقوص ط وقدمنا في باب النوافل اشتقاقه وإعرابه ( قوله ووجوبه على إمام ) تقديرا لمبتدإ غير لازم لأن الجار والمجرور متعلق بقوله قبله يجب ولكن قدره لبعد الفصل ( قوله مقيم بمصر ) فلا يجب على قروي ولا مسافر ولو صلى المسافرون في المصر جماعة على الأصح بحر عن البدائع أي الأصح على قول الإمام .

والظاهر أن صلاة القرويين في المصر كذلك تأمل قال القهستاني : والمتبادر أن يكون ذلك المقيم صحيحا فإذا صلى المريض بجماعة لم يكبروا كما في الجلابي ( قوله : وعلى مقتد ) أي ولو متنفلا بمفترض إسماعيل عن القنية ( قوله مسافر إلخ ) ليس للاحتراز بل لأن غيرهم بالأولى ( قوله بالتبعية ) راجع إلى الثلاثة ط ( قوله تخافت ) لأن صوتها عورة كما في الكافي والتبيين ( قوله ويجب على مقيم إلخ ) الظاهر أنه بحث لصاحب الشرنبلالية ، حيث قال عند قول الدرر ولا على إمام مسافر .

أقول : على هذا يجب على من اقتدى به من المقيمين لوجدان الشرط في حقهم ا هـ .

قلت : ولا يرد عليه قولهم بالتبعية لأنها فيما إذا كان الإمام من أهل الوجوب دون المؤتم تأمل ، لكن في حاشية أبي السعود [ ص: 180 ] عن الحموي ما نصه : وفي هداية الناطفي إذا كان الإمام في مصر من الأمصار فصلى بالجماعة وخلفه أهل المصر فلا تكبير على واحد منهم عند أبي حنيفة وعندهما عليهم التكبير ا هـ والمراد الإمام المسافر دل عليه سياق كلامه . ا هـ . ( قوله فور كل فرض ) بأن يأتي به بلا فصل يمنع البناء كما مر ط ( قوله لأنه تبع للمكتوبة ) فيجب على كل من تجب عليه الصلاة المكتوبة بحر ( قوله : وعليه الاعتماد إلخ ) هذا بناء على أنه إذا اختلف الإمام وصاحباه فالعبرة لقوة الدليل ، وهو الأصح كما في آخر الحاوي القدسي أو على أن قولهما في كل مسألة مروي عنه أيضا ، وإلا فكيف يفتى بقول غير صاحب المذهب . وبه اندفع ما في الفتح من ترجيح قوله هنا ورد فتوى المشايخ بقولهما بحر . مطلب كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب

( قوله ولا بأس إلخ ) كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب كما في البحر من الجنائز والجهاد ومنه هذا الموضع لقوله فوجب اتباعهم ( قوله فوجب ) الظاهر أن المراد بالوجوب الثبوت لا الوجوب المصطلح عليه ، وفي البحر عن المجتبى : والبلخيون يكبرون عقب صلاة العيد لأنها تؤدى بجماعة فأشبهت الجمعة ا هـ وهو يفيد الوجوب المصطلح عليه ط ( قوله ولا يمنع العامة إلخ ) في المجتبى قيل لأبي حنيفة ينبغي لأهل الكوفة وغيرها أن يكبروا أيام العشر في الأسواق والمساجد قال نعم وذكر الفقيه أبو الليث أن إبراهيم بن يوسف كان يفتي بالتكبير فيها قال الفقيه أبو جعفر : والذي عندي أنه لا ينبغي أن تمنع العامة عنه لقلة رغبتهم في الخير وبه نأخذ ا هـ فأفاد أن فعله أولى ( قوله بحر ومجتبى ) الأولى بحر عن المجتبى ط ( قوله : ويأتي المؤتم به إلخ ) ظاهره ولو كان مسافرا أو قرويا أو امرأة على قول الإمام مع أنه تقدم أن الوجوب عليهم بالتبعية لكن المراد أن وجوبه عليه تبع لوجوبه عليه فلا يسقط عنهم بعد وجوبه عليهم ، وإن تركه الإمام ، وليس المراد أنهم يفعلونه تبعا له تأمل ( قوله : لأدائه بعد الصلاة ) أي فلا يعد به مخالفا للإمام بخلاف سجود السهو فإنه يتركه إذا تركه الإمام لأنه يؤدى في حرمة الصلاة ط ( قوله قال أبو يوسف إلخ ) تضمنت الحكاية من الفوائد الحكمية أنه إذا لم يكبر الإمام لا يسقط عن المقتدي والعرفية جلالة قدر أبي يوسف عند الإمام وعظم منزلة الإمام في قلبه حيث نسي ما لا ينسى عادة حين علمه خلفه ، وذلك أن العادة نسيان التكبير الأول في الفجر فأما بعد توالي ثلاثة أوقات فلا لعدم بعد العهد به فتح ( قوله لا تفسد ) لأنه ذكر . وعن الحسن يتابعه كما في المجتبى ولا يعيده بعد الصلاة كما في خزانة الفتاوى إسماعيل ( قوله ولو لبى فسدت ) لأنه خطاب الخليل عليه السلام . وعن محمد لا تفسد لأنه يخاطب الله - تعالى - بها فكانت ذكرا كما في المجتبى إسماعيل .

قلت : الأولى التعليل بما يأتي من أنها تشبه كلام الناس ; إذ لا شك أن قول : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلخ خطاب لله تعالى ( قوله لوجوبه في تحريمتها ) أي في حال بقاء تحريمتها التي يحرم بها ، ولذا يصح الاقتداء فيه ( قوله في حرمتها ) [ ص: 181 ] المراد به عقبها بلا فاصل حتى لو فصل سقط كما مر ( قوله لعدمهما ) أي لعدم وجوبها في تحريمتها ولا في حرمتها ( قوله : سقط السجود والتكبير ) لأن التلبية تشبه كلام الناس ، وكلام الناس يقطع الصلاة فكذا هي وسجود السهو لم يشرع إلا في التحريمة ، ولا تحريمة ، والتكبير لم يشرع إلا متصلا ، وقد زال الاتصال بدائع ولعل وجه كونه يشبه كلام الناس أن من نادى رجلا يجيبه بقوله لبيك ، وقد قال في البدائع : إذا قال اللهم أعطني درهما زوجني امرأة تفسد صلاته لأن صيغته من كلام الناس وإن خاطب الله تعالى به فكان مفسدا بصيغته ا هـ فافهم والله أعلم .



مطلب في إزالة الشعر والظفر في عشر ذي الحجة

[ خاتمة ] قال في شرح المنية : وفي المضمرات عن ابن المبارك في تقليم الأظفار وحلق الرأس في العشر أي عشر ذي الحجة قال لا تؤخر السنة وقد ورد ذلك ولا يجب التأخير ا هـ ومما ورد في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا } فهذا محمول على الندب دون الوجوب بالإجماع ، فظهر قوله : ولا يجب التأخير إلا أن نفي الوجوب لا ينافي الاستحباب فيكون مستحبا إلا إن استلزم الزيادة على وقت إباحة التأخير ونهايته ما دون الأربعين فلا يباح فوقها . قال في القنية : الأفضل أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينظف بدنه بالاغتسال في كل أسبوع ، وإلا ففي كل خمسة عشر يوما ، ولا عذر في تركه وراء الأربعين ويستحق الوعيد فالأول أفضل والثاني الأوسط والأربعون الأبعد ا هـ .




الخدمات العلمية