الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 56 ] ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ( 48 ) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ( 49 ) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون ( 50 ) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ( 51 ) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ( 52 ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون ( 53 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      وقال : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ) الرسول بحكم الله ، ( إذا فريق منهم معرضون ) أي عن الحكم . وقيل : عن الإجابة . ( وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ) مطيعين منقادين لحكمه ، أي : إذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم بأنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضا بالحق . ( أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا ) أي : شكوا ، هذا استفهام ذم وتوبيخ ، أي : هم كذلك ، ( أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ) أي : بظلم ، ( بل أولئك هم الظالمون ) لأنفسهم بإعراضهم عن الحق . ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ) إلى كتاب الله ورسوله ، ( ليحكم بينهم ) هذا ليس على طريق الخبر لكنه تعليم أدب الشرع على معنى أن المؤمنين كذا ينبغي أن يكونوا ، ونصب القول على الخبر واسمه في قوله تعالى : ( أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) أي : سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة . ( وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : فيما ساءه وسره ( ويخش الله ) على ما عمل من الذنوب . ( ويتقه ) فيما بعده ، ( فأولئك هم الفائزون ) الناجون ، قرأ أبو عمرو وأبو بكر " يتقه " ساكنة الهاء ، ويختلسها أبو جعفر ويعقوب وقالون ، كما في نظائرها ويشبعها الباقون كسرا ، وقرأ حفص " يتقه " بسكون القاف واختلاس الهاء ، وهذه اللغة إذا سقطت الياء للجزم يسكنون ما قبلها ، يقولون : لم أشتر طعاما بسكون الراء . قوله - عز وجل - : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) جهد اليمين أن يحلف بالله ، ولا حلف فوق [ ص: 57 ] الحلف بالله ، ( لئن أمرتهم ليخرجن ) وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أينما كنت نكن معك ، لئن خرجت خرجنا ، وإن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال تعالى : ( قل ) لهم ( لا تقسموا ) لا تحلفوا ، وقد تم الكلام ، ثم قال : ( طاعة معروفة ) أي : هذه طاعة بالقول وباللسان دون الاعتقاد ، وهي معروفة أي : أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون ، هذا معنى قول مجاهد رضي الله عنه . وقيل : معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل . وقال مقاتل بن سليمان : لتكن منكم طاعة معروفة . ( إن الله خبير بما تعملون )

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية