الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 153 ] باب زكاة الزروع والثمار

ما سقته السماء أو سقي سيحا ففيه العشر ( سم ) قل أو كثر ، إلا القصب الفارسي والحطب والحشيش ، وما سقي بالدولاب والدالية فنصف العشر ، ولا شيء في التبن والسعف ، ولا تحسب مؤونته والخرج عليه . وفي العسل العشر قل أو كثر إذا أخذ من أرض العشر ، والأرض العشرية إذا اشتراها ذمي صارت خراجية ( سم ) ، والخراجية لا تصير عشرية أصلا ، ولا شيء فيما يستخرج من البحر ( س ) كاللؤلؤ والعنبر والمرجان ، ولا فيما يوجد في الجبال كالجص والنورة والياقوت والفيروزج والزمرد .

[ ص: 153 ]

التالي السابق


[ ص: 153 ] باب زكاة الزروع والثمار

( ما سقته السماء أو سقي سيحا ففيه العشر قل أو كثر ) ويستوي فيه ما يبقى وما لا يبقى ، وقالا : لا يجب العشر إلا فيما يبقى إذا بلغ خمسة أوسق ، والوسق : ستون صاعا ، فلا يجب في البقول والرياحين ، لهما قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ليس في الخضراوات عشر " ولأنه صدقة فيشترط له نصاب ليتحقق الغنى كسائر الصدقات ، وله قوله تعالى : ( أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ) . ولا واجب فيه إلا العشر أو نصفه ، فيكون المراد العشر ، ولم يفصل بين القليل والكثير ، وما يبقى وما لا يبقى فيتناول الكل . وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ما سقته السماء ففيه العشر " ولأن العشر مئونة الأرض كالخراج ، والخراج يجب بمطلق الخارج فكذا العشر ، والحديث الأول محمول على الزكاة ، فإن الصدقة عند الإطلاق تنصرف إليها ، وكانوا يتعاملون بالأوساق ، وكان قيمة الوسق أربعين درهما ، فيكون قيمة الخمسة مائتي درهم ، والمراد بالحديث الثاني صدقة تؤخذ : أي يأخذها العاشر وهو مذهب أبي حنيفة ، بل يدفعها المالك إلى الفقراء ; وقولهما يشترط النصاب للغنى قلنا لا اعتبار بالمالك حتى يجب في أرض الوقف والصبي والمجنون فكيف يعتبر وصفه ; وكذا لا يعتبر الحول لأنه لتحقق النماء وكله نماء .

قال : ( إلا القصب الفارسي والحطب والحشيش ) لأنها تنقى من الأرض ، حتى لو اتخذ أرضه مقصبة أو مشجرة للحطب ففيه العشر ، والقنب كالحشيش .

[ ص: 154 ] قال : ( وما سقي بالدولاب والدالية فنصف العشر ) بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بالدولاب والدالية فنصف العشر " ولأن المئونة تكثر ، وله أثر في التخفيف كالسائمة والعلوفة ، وإن سقي سيحا وبدالية يعتبر أكثر السنة ، فإن استويا يجب نصف العشر نظرا للمالك كالسائمة .

قال : ( ولا شيء في التبن والسعف ) لأنهما لا يقصدان ، وكذلك بذر البطيخ والقثاء ونحوهما ؛ لأن المقصود الثمرة دون البذر . قال : ( ولا تحسب مئونته والخرج عليه ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - أوجب فيه العشر فيتناول عشر الجميع ، ولأنه - عليه الصلاة والسلام - خفف الواجب مرة باعتبار المئونة من العشر إلى نصفه فلا يخفف ثانيا .

وقال أبو يوسف فيما لا يوسق كالزعفران والقطن يجب فيه العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق كالذرة والدخن ؛ لأنه لا نص فيهما ، ولا سبيل إلى نصب النصاب بالرأي ، فيعتبر قيمة المنصوص عليه كما في عروض التجارة ، واعتبرنا بالأدنى نظرا للفقراء .

وقال محمد : إذا بلغ الخارج خمسة أمثال أعلى ما يقدر به نوعه وجب العشر ، ففي القطن خمسة أحمال ، كل حمل ثلاثمائة من ، ويروى ثلاثمائة وعشرون منا ، وفي الزعفران والسكر خمسة أمنان ، كما اعتبر في المنصوص أعلى ما يقدر به وهو الوسق ، فكان معنى جامعا فصح القياس .

ووقت الوجوب عند أبي حنيفة عند ظهور الثمرة ، وعند أبي يوسف عند الإدراك ، وعند محمد إذا حصل في الحظيرة ; وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا استهلكه بعد الوجوب يضمن العشر وقبله لا ، وعندهما في هذا وفي تكميل النصاب .

قال : ( وفي العسل العشر قل أو كثر إذا أخذ من أرض العشر ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر . وعن أبي يوسف : العشر في العسل مجمع عليه ليس فيه [ ص: 155 ] اختلاف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو يوسف : إذا بلغ عشرة أرطال ففيه رطل . وفي رواية كتاب الزكاة : خمسة أوسق . وفسره القدوري بقيمة خمسة أوسق لأنه لا يكال ، فاعتبر القيمة على أصله ; وعنه أيضا عشر قرب ، كذا أخذ - صلى الله عليه وسلم - من بني سيارة . وقال محمد : خمس قرب ; وفي رواية : خمسة أفراق ؛ لأنه أعلى ما يقدر به نوعه كما مر من أصله ; والفرق ستة وثلاثون رطلا ، ولا شيء فيما يؤخذ من أرض الخراج لئلا يجتمع العشر والخراج في أرض واحدة .

قال : ( والأرض العشرية إذا اشتراها ذمي صارت خراجية ) عند أبي حنيفة وزفر ، وعند أبي يوسف والحسن : عليه عشران . وقال محمد : عشر واحد لأنه وظيفة الأرض فلا تتغير بتغير المالك كالخراج . ثم في رواية ابن سماعة : يوضع موضع الخراج . وفي رواية كتاب السير : موضع الصدقات . ولأبي يوسف أن ما يجب أخذه من المسلم يضاعف على الذمي كما إذا مر على العاشر ; ويوضع موضع الخراج كالتغلبي . ولأبي حنيفة أن الأراضي النامية لا تخلو من العشر أو الخارج ، والذمي ليس أهلا للعشر لأنه عبادة ، قال تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) والخراج أليق به فيوضع عليه ; وإن اشتراها تغلبي فعليه عشران بالإجماع ، لأنهم صولحوا على أن يضاعف عليهم جميع ما على المسلمين ، فإنهم قوم من النصارى كانوا قريبا من بلاد الروم ، فأراد عمر أن يضع عليهم الجزية ، فأبوا وقالوا : إن وضعت علينا الجزية لحقنا بأعدائك من الروم ، وإن أخذت منا ما يأخذ بعضكم من بعض وتضعه علينا فافعل ، فشاور عمر الصحابة فأجمعوا على ذلك ، وقال عمر : هذه جزية فسموها ما شئتم .

قال : ( والخراجية لا تصير عشرية أصلا ) لأنها وظيفة الأرض ، والكل أهل للخراج المسلم والذمي فلا حاجة إلى التغيير .

قال : ( ولا شيء فيما يستخرج من البحر كاللؤلؤ والعنبر والمرجان ) لأنه لم يكن في يد الكفار ليكون غنيمة ، ولهذا لو استخرج منه الذهب والفضة لا شيء فيهما .

وقال أبو يوسف : فيه الخمس ؛ لأن عمر كان يأخذ الخمس من العنبر . واللؤلؤ أشرف ما يوجد في البحر ، فيعتبر بأشرف ما يوجد في البر وهو الذهب والفضة . ثم قيل اللؤلؤ مطر الربيع يقع في الصدف فيصير لؤلؤا .

[ ص: 156 ] وقيل : الصدف حيوان يخلق فيه اللؤلؤ . وأما العنبر ، قال محمد : هو حشيش البحر يأكله السمك ; وقيل شجرة تنكسر فيلقيها الموج في الساحل ; وقيل : خثي دابة في البحر وليس في الأشجار ، والأخثاء شيء . وسئل ابن عباس عن العنبر ; فقال : هو شيء دسره البحر ولا خمس فيه .

قال : ( ولا فيما يوجد في الجبال كالجص والنورة والياقوت والفيروزج والزمرد ) لأنه من الأرض كالتراب والأحجار ، والفصوص : أحجار مضيئة .




الخدمات العلمية