الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 433 ] ( ذكر الآثار التي في كتاب الطلاق )

1751 - ( 1 ) - حديث : إن رجلا على عهد عمر قال لامرأته : حبلك على غاربك ، فقال الرجل : أردت الفراق ، قال : هو ما أردت . مالك في الموطأ والشافعي عنه ، أنه بلغه أنه كتب إلى عمر من العراق : أن رجلا قال لامرأته : حبلك على غاربك ، فكتب عمر إلى عامله : أن مره فليوافني في الموسم . فذكره ، وفيه : " أنه استحلفه عند البيت ، فقال : " أردت الفراق ، فقال : هو ما أردت " . ورواه البيهقي من طريق غسان بن مضر ، عن سعيد بن زيد ، عن أبي الحلال العتكي قال : جاء رجل إلى عمر ، فقال عمر : " واف معنا الموسم ، فأتاه الرجل في المسجد الحرام ، فقال : أترى ذلك الأصلع الذي يطوف ، اذهب إليه فسله ، ثم ارجع ، فذهبت إليه ، فإذ هو علي " . فذكر الحديث ، وأنه قال له : " استقبل البيت واحلف ما أردت طلاقا ، فقال الرجل : أنا أحلف بالله ما أردت إلا الطلاق ، فقال : " بانت منك " .

وفي الباب حديث عائشة في قصة بنت الجون حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : { الحقي بأهلك }. أخرجه البخاري ، قال البيهقي : زاد ابن أبي ذئب عن الزهري وفيه : { الحقي بأهلك ، جعلها تطليقة }. قال ، وهذا من قول الزهري ، وفي الصحيحين ، حديث كعب بن مالك في تخلفه عن تبوك ، فقيل له : { اعتزل امرأتك ، قال : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : بل اعتزلها ، فقال لها : الحقي بأهلك فكوني عندهم . فلم يرد الطلاق ، فلم تطلق }.

[ ص: 434 ] حديث : " أن رجلا أتى ابن عباس فقال : إني جعلت امرأتي علي حراما ، قال : كذبت ليست عليك بحرام ، ثم تلا { يا أيها النبي لم تحرم }الآية . النسائي بهذا ، وزاد في آخره : " عليك أغلظ الكفارة عتق رقبة " .

وفي الصحيحين عن ابن عباس ، في الحرام بيمين يكفرها . وللبخاري : { إذا حرم امرأته فليس بشيء ، وقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة }.

قوله : اختلفت الصحابة في لفظ الحرام ، فذهب أبو بكر ، وعائشة إلى أنه يمين ، وكفارته كفارة يمين ، وذهب عمر إلى أنه صريح في الطلقات ، وبه قال علي ، وزيد ، وأبو هريرة ، وذهب ابن مسعود إلى أنه ليس بيمين وفيه كفارة يمين .

أما أبو بكر فقال ابن أبي شيبة : نا عبد الرحمن بن سليمان ، عن جويبر عن الضحاك : أن أبا بكر ، وعمر ، وابن مسعود قالوا : من قال لامرأته هي علي حرام ، فليست بحرام ، وعليه كفارة يمين وهذا ضعيف ومنقطع أيضا .

وأما عائشة : فرواه البيهقي والدارقطني من طريق مطر الوراق ، عن عطاء ، عنها : " أنها قالت في الحرام يمين تكفر " .

وأما عمر : فقال البيهقي اختلفت الرواية فيه عن عمر . فروي عنه أنه قال [ ص: 435 ] فيه : " هو يمين يكفرها " .

وروي عنه أنه أتاه رجل قد طلق امرأته تطليقة ، فقال : أنت علي حرام ، فقال عمر : " لا أردها إليك " . ثم ساق الإسناد إليه ، فالأول من طريق جابر الجعفي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وهو ضعيف ، لكن له شاهد أخرجه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن عمر منقطعا ، والثاني من طريق النخعي ، عنه وهو منقطع ، وأما علي وزيد بن ثابت : فقال البيهقي : روينا عن علي وزيد بن ثابت في البرية والبتة والحرام أنها ثلاث ثلاث . قال : وروى مطرف عن الشعبي في الرجل يجعل امرأته عليه حراما ، قال ، يقولون إن عليا قال : " لا أحلها ولا أحرمها " . ثم ساق سنده .

وفي الموطأ عن مالك أنه بلغه عن علي أنه قال في قول الرجل لامرأته : " أنت علي حرام ، ثلاث تطليقات " .

وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن زيد بن ثابت قال : هي ثلاث ، ورواه ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه ، وعن عبد الوهاب الثقفي ، عن شعبة عن مطر ، عن حميد بن هلال ، عن سعد بن هشام ، عن زيد بن ثابت قال : " هي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " . وهذه الرواية أوصل الروايات عنه ، وجاء عنه من طريق قبيصة بن ذؤيب قال : سألت زيد بن ثابت وابن عمر عمن قال لامرأته : أنت علي حرام ، قالا جميعا : كفارة يمين ، وسندها صحيح أخرجه ابن حزم .

وأما أبو هريرة : فحكاها أيضا أبو بكر بن العربي ، ولم أقف على إسنادها . وأما ابن مسعود : فرواه البيهقي من طرق ، منها : نيته في الحرام ما نوى ، إن لم يكن نوى طلاقا فهي يمين ، وهذه رواية الشافعي من طريق الحكم عن إبراهيم عنه ، وفي لفظ : إن نوى يمينا فيمين ، وإن نوى طلاقا فطلاق ، وهذه رواية [ ص: 436 ] الثوري ، عن أشعث ، عن الحكم ، وفي رواية : إن نوى فهي تطليقة رجعية ، وإن لم ينو طلاقا ، فيمين يكفرها ، وهذه رواية عبد الرزاق عن الثوري ، وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن مسعود قال : هي يمين يكفرها .

وكل هذا مخالف لما نقل المصنف .

قوله : عن قدامة بن إبراهيم : أن رجلا على عهد عمر بن الخطاب تدلى بحبل ليشتار عسلا فأقبلت امرأته فجلست على الحبل وقالت : تطلقني ثلاثا وإلا قطعت الحبل ، فذكرها بالله والإسلام فأبت ، فطلقها ثلاثا ، ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له : فقال : " ارجع إلى أهلك فليس بطلاق " . البيهقي من طريق عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي ، عن أبيه ، وهو منقطع ، لأن قدامة لم يدرك عمر .

وفي الباب عن ابن عباس وعلي وابن عمر وابن الزبير وغيرهم ، " قالوا : ليس على مكره طلاق " . أخرجه ابن أبي شيبه وغيره .

( تنبيه ) :

روى العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي نحو هذه القصة مرفوعا ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا قيلولة في الطلاق }. ذكره ابن أبي حاتم في العلل عن أبي زرعة وأنه واه جدا .

1753 - ( 3 ) - حديث : أن عمر سئل عمن طلق طلقتين فانقضت عدتها فتزوجها غيره وفارقها ، ثم تزوجها الأول ، فقال : " هي عنده على ما بقي من الطلاق " . رواه البيهقي من طريق الحميدي ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار ، عن أبي هريرة ، وعن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سألت عمر عن [ ص: 437 ] رجل فذكره ، وإسناده صحيح .

1754 - ( 4 ) - حديث : أن نفيعا - وكان عبدا لأم سلمة - سأل عثمان وزيدا فقال : طلقت امرأتي وهي حرة تطليقتين ، فقالا : " حرمت عليك " . مالك في الموطأ والشافعي عنه به وأتم منه ، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر ، عن أم سلمة : { أن غلاما لها طلق امرأة له حرة تطليقتين ، فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : حرمت عليه }. وفي إسناده عبد الله بن زياد بن سمعان وهو متروك .

1755 - ( 5 ) - حديث : " أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته الكلبية في مرض موته ، فورثها عثمان " . عبد الرزاق في مصنفه ، عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أنه سأل عبد الله بن الزبير فقال له : " طلق عبد الرحمن بن عوف بنت الأصبغ الكلبية فبتها ، ثم مات ، فورثها عثمان في عدتها " . ورواه الشافعي عن مسلم ، عن ابن جريج به وسماها تماضر .

وقال : هذا حديث متصل . وزاد : قال ابن الزبير : وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة . ورواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب ، عن طلحة بن عبد الله بن عوف ، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته ألبتة وهو مريض ، فورثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها . قال الشافعي : هذا منقطع ، وحديث ابن الزبير متصل .

قوله : وكان الطلاق في هذه القصة بسؤالها . مالك عن ربيعة بلغني أن عبد الرحمن بن عوف سألته امرأته أن يطلقها ، فقال : إذا حضت ثم طهرت فأذنيني ، فلم تحض حتى مرض عبد الرحمن بن عوف ، فلما طهرت أذنته فطلقها ألبتة ، أو تطليقة لم يكن بقي له عليها من الطلاق غيرها . [ ص: 438 ]

( تنبيه ) :

تماضر بضم التاء المثناة ، والأصبغ بغين معجمة .

قوله : وقال الفرزدق يمدح عبد الملك بن هشام :

وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه



كذا وقع فيه ، وفي التهذيب قال يمدح هشام بن إبراهيم خال هشام بن عبد الملك ، قال النووي : الصواب يمدح إبراهيم بن هشام بن إبراهيم بن المغيرة ، خال هشام بن عبد الملك ، انتهى . وهو صواب لكن فيه خطأ أيضا والصواب أنه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة ، وخبره في أنساب الزبير وغيرها .

1756 - ( 6 ) - حديث ابن عباس : أنه سئل عن رجل قال لامرأته : أنت طالق إلى سنة ، فقال : هي امرأته يستمتع بها إلى سنة . الحاكم ، والبيهقي عن ابن عباس أنه قال : " إذا حلف الرجل على يمين فله أن يستثني ولو إلى سنة " .

وروى البيهقي عن حماد ، عن إبراهيم في رجل قال لامرأته : هي طالق إلى سنة ، قال : هي امرأته يستمتع منها إلى سنة ، قال : روي مثله عن ابن عباس .

قوله : لما ذكر المسألة الشريحية أنه وجد في بعض التعاليق أن مذهب زيد بن ثابت أنه لا يقع الطلاق في المسألة الشريحية . لا أصل له عن زيد ولا عمرو ، فقد قال الدارقطني : كان ابن شريح رجلا فاضلا لولا ما أحدث في الإسلام من مسألة الدور في الطلاق ، وهذا من الدارقطني دال على أنه لم يسبق ابن شريح إلى ذلك ، قلت : وكذا قول جماعة من الشافعية أن ذلك في النص ، أو مقتضى النص ليس بصحيح ، والذي وقع في النص قول الشافعي : لو أقر الأخ الشقيق بابن لأخيه الميت ، ثبت نسبه ولم يرث ; لأنه لو ورث لخرج المقر عن أن يكون وارثا ، ولو لم يكن وارثا لم يقبل إقراره بوارث آخر ، فتوريث الابن يفضي إلى عدم توريثه فتساقطا ، فأخذ ابن شريح من هذا النص مسألة الطلاق المذكورة ، ولم ينص الشافعي عليها في ورد ولا صدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية