الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 138 ] الركن الأول في الإيداع : وفي الجواهر : استنابة في حفظ المال ، وهو عقد أمانة إجماعا ، لأن القبض فيه لمصلحة الدافع ، عكسه القرض ، والمركب منهما : الرهن لا جرم لم يختلف في الطرفين ، واختلف في الضمان في المركب ، وهو عقد جائز من الجهتين ، وقاله الأئمة .

                                                                                                                نظائر : قال أبو عمران : العقود الجائزة خمسة : الوكالة ، والجعالة ، والمغارسة ، والتحكيم ، والقراض ، مذكران والثلاث مؤنثات ، ويكون هذا سادسها ، وظاهر المذهب أن الإيداع مندوب إليه لمن علم من نفسه الأمانة ولم يكن المال يخاف عليه ، ويكون مندوبا على الكفاية كالأذان والإقامة وسنن تجهيز الأموات ، وواجب عند الخوف على المال عند ربه من ظالم وغيره ، فيكون حينئذ صونه فرضا على الكفاية ، وقال الأئمة في فصل النذر والوجوب ، لأن صون المال واجب إجماعا كالنفوس ، قاله صاحب المقدمات ، قال ابن شعبان : الإيداع غير واجب ، وجدت من يودع لك أم لا ، وينتفي لزومه إذا لم يجد على تحمل الشهادة إذا ادعيت وليس في البلد غيرك ، ومن يرى وجوبه وجد من شهد أم لا ، قال صاحب الإشراف إن أودعت بشرط الضمان لا يضمن ، وقاله الأئمة خلافا للعنبري ، لأنه خلاف مقتضى العقد فلا يلزم كسائر الشروط ، وقال ( ش ) : يفتقر للإيجاب والقبول كالوكالة ، وأصلنا يقتضي عدم الاشتراط فيهما كما تقرر في البيع .

                                                                                                                وأصله : الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب : فقوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) والسنة ، قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أد الأمانات [ ص: 139 ] لمن ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) ( وكانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودائع تركها عند أم أيمن لما هاجر وأمر عليا - رضي الله عنه - أن يؤديها لأربابها ) وأجمعت الأئمة في جميع الأمصار والأعصار على حسن الإيداع .

                                                                                                                قاعدة : العقود قسمان : منها ، ما تترتب مصلحته على مجرد العقد فيكون شأنه اللزوم ، كالبيع والإجارة فإن مصلحته انتقال الملك ، وقد حصل . ومنها ما لا تترتب مصلحته على مجرد العقد كالجعالة ، فإن مصلحتها ومقصودها حصول المجعول عليه ، وهو غير متحصل عند العقد لعدم انضباطه ، وكذلك نظائرها ، فكانت على الجواز ، ثم ترد نقوض تندفع بالفروق الفقهية المذكورة في مواضعها ، وأصل القاعدة وسرها ما تقدم .

                                                                                                                تنبيه : الجواز في اصطلاح العلماء له معنيان :

                                                                                                                أحدهما : نفي الحرج عن الفعل والترك ، وهو الإباحة ، وهو الذي يكثر استعماله .

                                                                                                                وثانيهما : تمكن كل واحد من المتعاقدين من فسخ العقد شرعا ولا يمكن تفسيره بالإباحة ، وإلا امتنع جعل البيع والنكاح وغيرها قسيما للعقود الجائزة الستة المتقدمة ، لأنها مباحة ، فكان التفسير يعم فيتعين أن يكون لفظ الجواز في الاصطلاح مشتركا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية