الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                44 ص: فهذا من روينا عنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم، قد جعلوا مياه الآبار نجسة بوقوع النجاسات فيها ولم يراعوا كثرتها ولا قلتها، وراعوا دوامها وركودها، وفرقوا بينها وبين ما يجري مما سواهما، فإلى هذه الآثار مع ما تقدمها مما رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب أصحابنا في النجاسات التي تقع في الآبار، ولم يجز لهم أن يخالفوها; لأنه لم يرو عن أحد خلافها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا الكلام إلى أن هذه الآثار كلها دالة على أن الماء الدائم الذي لا يجري إذا وقعت فيه نجاسة فإنه يتنجس، سواء بلغ القلتين أو لم يبلغ أو زاد عليهما، ألا ترى أنهم لم يراعوا -لما حكموا- النظر في كثرة الماء ولا في قلته، بل راعوا دوامه وعدم جريانه; فلذلك فرقوا بين الجاري وغيره، فهذا أدل دليل على أن المراد من قوله: "لم يحمل الخبث" في حديث القلتين لا يحتمله لضعفه؛ إذ لو كان المراد لم ينجس بملاصقة النجاسة -كما فسره الخصم- لكان ينقل عنهم في هذه الآثار ما يدل على هذا المعنى.

                                                فإن قيل: قد جاء مصرحا في رواية أبي داود وغيره : "لم ينجس" فهذا ينافي تفسيركم.

                                                قلت: نلتزم هذا المعنى إذا عرفنا معنى القلتين، فلما كان معنى القلتين مشتركا لم يرجح منه معنى مقصود صار محتملا، والمحتمل لا يصلح حجة، فتركنا العمل به وعملنا بالأحاديث الصحيحة التي وردت بالنهي عن البول في الماء الدائم، وبالآثار المروية [عن] الصحابة والتابعين في هذا الباب

                                                [ ص: 140 ] قوله: "فهذا" معناه: مضى هذا، أو خذ هذا.

                                                وقوله: "من روينا عنه" مبتدأ، وخبره قوله: "قد جعلوا".

                                                وأراد بالأصحاب مثل: ابن الزبير وابن عباس وأبي الطفيل وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - وبتابعيهم مثل: عطاء والشعبي وميسرة وزاذان وإبراهيم النخعي .

                                                قوله: "فإلى هذه الآثار" يتعلق بقوله: "ذهب أصحابنا" وأراد بهم: أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا وأصحابهم.

                                                قوله: "أن يخالفوها" في محل الرفع على الفاعلية، و"أن" مصدرية، أي: ولم يجز لهم مخالفتهم تلك الآثار.

                                                "لأنه" أي لأن الشأن لم يرو عن أحد من الصحابة والتابعين خلاف ما ذكر من الآثار والأخبار، فإذن بطل حكم من يحكم في الآبار أيضا باعتبار القلتين، ألا ترى أن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهم - لم يحكما في زمزم حين وقع الحبشي إلا بنزح الماء كله ولم يلتفتا إلى القلتين، وكذلك حكم علي - رضي الله عنه - في الفأرة، فهؤلاء يجب تقليدهم؛ لأن الحق لا يعدو أقاويلهم.




                                                الخدمات العلمية