الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 452 ] قوله عز وجل : وما أرسلنا في قرية من نذير يعني من نبي ينذرهم بعذاب الله .

                                                                                                                                                                                                                                        إلا قال مترفوها فيهم ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : يعني جبابرتها ، قاله ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أغنياؤها ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ذوو النعم والبطر ، قاله ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : نحن أكثر أموالا وأولادا قالوا ذلك للأنبياء والفقراء ويحتمل قولهم ذلك وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنهم بالغنى والثروة أحق بالنبوة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنهم أولى بما أنعم الله عليهم من الغنى أن يكونوا على طاعة .

                                                                                                                                                                                                                                        وما نحن بمعذبين يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أي ما عذبنا بما أنتم فيه من الفقر .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أي ما أنعم الله علينا بهذه النعمة وهو يريد عذابنا ، فرد الله تعالى عليهم ما احتجوا من الغنى فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                        قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء أي يوسعه .

                                                                                                                                                                                                                                        ويقدر فيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن يقتر عليه ، قال الحسن يبسط لهذا مكرا به ، ويقدر لهذا نظرا له .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : بنظره له ، رواه حصين بن أبي الجميل .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : بخير له ، رواه حارث بن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                        ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله يوسع على من يشاء ويقتر على من يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال [ ص: 453 ] مجاهد : أي قربى والزلفة القربة ، ويحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن أموالكم في الدنيا لا تدفع عنكم عذاب الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن إنعامنا بها عليكم في الدنيا لا يقتضي إنعامنا عليكم بالجنة في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                        إلا من آمن وعمل صالحا روى ليث عن طاوس أنه كان يقول: اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا

                                                                                                                                                                                                                                        فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا فيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنه أضعاف الحسنة بعشر أمثالها ، وأضعاف الدرهم بسبعمائة ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن المؤمن إذا كان غنيا تقيا آتاه الله أجره مرتين بهذه الآية ، قاله محمد بن كعب .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : يعني فله جزاء مثل عمله لأن الضعف هو المثل ويقتضي ذلك المضاعفة ، قاله بعض المتأخرين .

                                                                                                                                                                                                                                        وهم في الغرفات آمنون يعني غرفات الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                        آمنون فيه أربعة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : آمنون من النار ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : من انقطاع النعم ، قاله النقاش .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : من الموت ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : من الأحزان والأسقام .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : فهو يخلفه إن شاء إذا رأى ذلك صلاحا كإجابة الدعاء ، قاله ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يخلفه بالأجر في الآخرة إذا أنفقه في طاعة ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : معناه فهو أخلفه لأن نفقته من خلف الله ورزقه ، قاله سفيان بن الحسين [ ص: 454 ] ويحتمل رابعا : فهو يعني عنه .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية