الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 32 ] سعيد بن عبد العزيز ( م ، 4 )

                                                                                      ابن أبي يحيى الإمام القدوة ، مفتي دمشق أبو محمد التنوخي الدمشقي ، ويقال : أبو عبد العزيز .

                                                                                      ولد سنة تسعين ، في حياة سهل بن سعد ، وأنس بن مالك ، رضي الله عنهما ، وقرأ القرآن على ابن عامر ، ويزيد بن أبي مالك ، تلا عليه الوليد بن مسلم وأبو مسهر .

                                                                                      وحدث عن مكحول ، والزهري ، ونافع مولى ابن عمر ، وربيعة بن يزيد القصير ، وإسماعيل بن عبيد الله ، ويونس بن ميسرة بن حلبس ، وعمير بن هانئ ، وأبي الزبير المكي ، وزيد بن أسلم ، وبلال بن سعد وعدة .

                                                                                      ودخل على عطاء بن أبي رباح ، وسأله عن مسألة ، وليس هو بالمكثر من الحديث .

                                                                                      ويروي أيضا عن عطية بن قيس ، وسليمان بن موسى ، وعبد الرحمن بن سلمة الجمحي ، ويحيى الذماري ، وعثمان بن أبي سودة المقدسي ، ومعبد بن هلال ، وعبد الكريم بن أبي المخارق ، ومعاذ بن سهل الجهني . وقد جمع الطبراني مرويات سعيد في جزء واحد . [ ص: 33 ]

                                                                                      حدث عنه الوليد بن مسلم ، والحسن بن يحيى الخشني ، وعلي بن الحسن بن شقيق المروزي ، وأبو مسهر ، وأبو اليمان الحمصي ، وابن المبارك ، ووكيع ، وابن شابور ، ويحيى بن حمزة ، وبقية بن الوليد ، وأبو عاصم النبيل ، وعبد الرزاق ، وأبو المغيرة عبد القدوس ، ويحيى بن صالح الوحاظي ، وعبد الله بن صالح الكاتب ، وأبو نصر التمار ، وعبد الله بن يوسف التنيسي وأبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي وإبراهيم بن هشام الغساني ، وزيد بن يحيى بن عبيد ، وعبد الله بن كثير المقرئ الطويل ، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي ، والوليد بن مزيد العذري ، وآخرون . وقد حدث عنه من أقرانه شعبة ، والثوري ، وانتهت إليه مشيخة العلم بعد الأوزاعي بالشام ، فعاش بعده عشرة أعوام .

                                                                                      قال أبو مسهر : حدثنا سعيد ، قال : دهشنا عن الهرولة ، فسألنا عطاء ، فقال : لا شيء عليكم ، قال أبو مسهر : ما سمع من عطاء سواه .

                                                                                      وقال عبد الله بن زبر : كنا نجلس إلى مكحول ومعنا سعيد بن عبد العزيز ، فكان يسقي الماء في مجلس مكحول .

                                                                                      وقال أبو مسهر : حدثني سعيد ، قال : كنت أجلس بالغدوات إلى ابن أبي مالك ، وأجالس بعد الظهر إسماعيل بن عبيد الله ، وبعد العصر مكحولا .

                                                                                      الدارمي : أخبرنا مروان بن محمد ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، قال : ما كتبت حديثا قط . يعني كان يتحفظ . وقال أبو مسهر : سمعته [ ص: 34 ] يقول : ما كتبت حديثا ، وسمعته يقول : لا يؤخذ العلم من صحفي .

                                                                                      قال أبو حاتم الرازي : كان أبو مسهر يقدم سعيدا على الأوزاعي .

                                                                                      قال أبو زرعة النصري : قلت لابن معين : أمحمد بن إسحاق حجة ؟ فقال : كان ثقة ، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ، ومالك ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز .

                                                                                      قال أحمد في ( المسند ) : ليس بالشام رجل أصح حديثا من سعيد بن عبد العزيز .

                                                                                      وقال أبو عبد الله الحاكم : سعيد بن عبد العزيز لأهل الشام ، كمالك لأهل المدينة في التقدم والفقه والأمانة .

                                                                                      وقال أبو زرعة : حدثني أبو النضر إسحاق بن إبراهيم ، قال : كنت أسمع وقع دموع سعيد بن عبد العزيز على الحصير في الصلاة .

                                                                                      أحمد بن أبي الحواري : حدثني أبو عبد الرحمن الأسدي ، قال : قلت لسعيد بن عبد العزيز : ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة ؟ فقال : يا ابن أخي ، وما سؤالك عن ذلك ؟ قلت : لعل الله أن ينفعني به . فقال : ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم .

                                                                                      أبو عبد الرحمن مروان بن محمد الطاطري قال محمد بن المبارك الصوري : كان سعيد إذا فاتته صلاة الجماعة بكى .

                                                                                      قال الوليد بن مزيد : كان الأوزاعي إذا سئل عن مسألة ، وسعيد [ ص: 35 ] بن عبد العزيز حاضر ، قال : سلوا أبا محمد .

                                                                                      وقال أبو زرعة الدمشقي : حدثنا بعض مشايخنا عن الوليد بن مسلم قال : كان سعيد بن عبد العزيز يحيي الليل ، فإذا طلع الفجر ، جدد وضوءه وخرج إلى المسجد .

                                                                                      يزيد بن عبد الصمد : حدثنا أبو مسهر قال : ما رأيت سعيد بن عبد العزيز ضحك قط ، ولا تبسم ، ولا شكا شيئا قط . أبو زرعة ، قال أبو مسهر : ينبغي للرجل أن يقتصر على علم بلده ، وعلى علم عالمه ، لقد رأيتني أقتصر على سعيد بن عبد العزيز ، فما أفتقر معه إلى أحد . وقال يحيى الوحاظي : سألت سعيد بن عبد العزيز عن حديث فامتنع علي ، وكان عسرا ، وكذا قال أبو مسهر عنه .

                                                                                      قلت : شاخ وضاق خلقه ، واشتغل بالله عن الرواية .

                                                                                      عباس الدوري ، عن يحيى بن معين ، قال : كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته ، وكان يعرض عليه قبل الموت ، وكان يقول : لا أجيزها .

                                                                                      أبو زرعة الدمشقي : سمعت أبا مسهر يقول : رأيت أصحابنا يعرضون على سعيد بن عبد العزيز حديث المعراج ، عن يزيد بن أبي مالك ، عن أنس ، فقلت له : يا أبا محمد ، أليس حدثتنا عن يزيد بن أبي مالك قال : حدثنا أصحابنا عن أنس بن مالك ؟ قال : نعم ، إنما يقرون على أنفسهم .

                                                                                      قال أبو مسهر : سمعته يقول : " لا أدري " لما لا أدري نصف [ ص: 36 ] العلم . وسمعته يقول : ما كنت قدريا قط . وسمعت رجلا يقول لسعيد : أطال الله بقاءك ، فقال : بل عجل الله بي إلى رحمته .

                                                                                      محمد بن بكار البتلهي : حدثنا يزيد بن عبد الصمد ، سمعت أبا مسهر ، سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول : لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين : صموت واع ، وناطق عارف .

                                                                                      وقال عقبة بن علقمة البيروتي : حدثني سعيد بن عبد العزيز قال : من أحسن فليرج الثواب ، ومن أساء فلا يستنكر الجزاء ، ومن أخذ عزا بغير حق أورثه الله ذلا بحق ، ومن جمع مالا بظلم أورثه الله فقرا بغير ظلم . [ ص: 37 ] وقال الوليد بن مزيد العذري : سئل سعيد بن عبد العزيز عن الكفاف من الرزق ما هو ؟ قال : شبع يوم وجوع يوم .

                                                                                      أنبأنا عدة عن عبد البر بن الحافظ أبي العلاء العطار : أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا سليمان الطبراني ، حدثنا أبو زرعة ، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، قالا : حدثنا يحيى بن صالح ، حدثنا سعيد ، عن يونس بن ميسرة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فأتبعته بصري ، فإذا هو نور ساطع في الشام . رواه الوليد وأبو إسحاق الفزاري ، عن سعيد بن عبد العزيز .

                                                                                      وبه حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو مسهر ، حدثني سعيد ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا ، واهده ، واهد به .

                                                                                      وبه حدثنا عبدان ، حدثنا علي بن سهل الرملي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا سعيد عن يونس - هو ابن ميسرة - عن عبد الرحمن بن أبي [ ص: 38 ] عميرة ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر معاوية ، فقال : اللهم اجعله هاديا مهديا ، واهد به فهذه علة الحديث قبله .

                                                                                      وبه حدثنا أبو زرعة ، وأحمد بن محمد بن يحيى ، قالا : حدثنا أبو مسهر ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني - وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية : اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب .

                                                                                      قال الوليد بن مسلم ، وأبو مسهر ، وشباب ، وابن سعد ، وأحمد : مات سنة سبع وستين ومائة وما نقل من أنه مات سنة ثلاث أو أربع وستين فهو خطأ ووهم ، قاله ابن عساكر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية