الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الشاذ


161 . وذو الشذوذ : ما يخالف الثقه فيه الملا فالشافعي حققه      162 . والحاكم الخلاف فيه ما اشترط
وللخليلي مفرد الراوي فقط      163 . ورد ما قالا بفرد الثقة
كالنهي عن بيع الولا والهبة      164 . وقول مسلم : روى الزهري
تسعين فردا كلها قوي      165 . واختار فيما لم يخالف أن من
يقرب من ضبط ففرده حسن      166 . أو بلغ الضبط فصحح أو بعد
عنه فمما شذ فاطرحه ورد

[ ص: 246 ]

التالي السابق


[ ص: 246 ] اختلف أهل العلم بالحديث في صفة الحديث الشاذ ، فقال الشافعي : ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره ، وإنما أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس ، وحكى أبو يعلى الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز نحو هذا ، وقال الحاكم : "هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات ، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة" . فلم يشترط الحاكم فيه مخالفة الناس ، وذكر أنه يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه ، والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك .

وقال أبو يعلى الخليلي : الذي عليه حفاظ الحديث : أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد ، يشذ بذلك شيخ ، ثقة كان أو غير ثقة ، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل ، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به فلم يشترط الخليلي في الشاذ تفرد الثقة ، بل مطلق التفرد . وقوله : ورد ، أي : ابن الصلاح ما قال الحاكم والخليلي بأفراد الثقات الصحيحة ، وبقول مسلم الآتي ذكره ، فقال ابن الصلاح : "أما ما [ ص: 247 ] حكم الشافعي عليه بالشذوذ ، فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول ، قال : وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط ، كحديث : " إنما الأعمال بالنيات " ثم ذكر مواضع التفرد منه ، ثم قال : وأوضح من ذلك في ذلك : حديث عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نهى عن بيع الولاء وهبته " تفرد به عبد الله بن دينار . وحديث مالك ، عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دخل مكة وعلى رأسه المغفر " تفرد به مالك عن الزهري .

فكل هذه مخرجة في [ ص: 248 ] الصحيحين مع أنها ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة ، قال : وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة ، قال : وقد قال مسلم بن الحجاج : " للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد" قال : فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم ، بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه فنقول : إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه ، فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك ، وأضبط ، كان ما انفرد به شاذا مردودا ، وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره ، فينظر في هذا الراوي المنفرد ، فإن كان عدلا [ ص: 249 ] حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما سبق من الأمثلة ، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به ، كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح ، ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه ، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده ، استحسنا حديثه ذلك ، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف ، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به ، وكان من قبيل الشاذ المنكر . انتهى .

[ ص: 250 ] وهذا معنى قوله : ( واختار ) ، أي : ابن الصلاح في الفرد الذي لم يخالف .

وقوله : ( ورد ) ، هو أمر معطوف على قوله : ( فاطرحه ) ، قال ابن الصلاح : فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان :

أحدهما : الحديث الفرد المخالف .

والثاني : الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ من النكارة والضعف ، والله أعلم . وسيأتي مثال لقسمي الشاذ في الباب الذي بعده .




الخدمات العلمية