الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحرب بين موسى بن موسى والحارث بن يزيغ

في هذه السنة كانت حرب بين موسى عامل تطيلة وبين عسكر عبد الرحمن أمير الأندلس ، والمقدم عليهم الحارث بن يزيغ .

وسبب ذلك أن موسى بن موسى كان من أعيان قواد عبد الرحمن ، وهو العامل على مدينة تطيلة ، فجرى بينه وبين القواد تحاسد سنة سبع وعشرين ، وقد ذكرناه ، فعصى موسى بن موسى على عبد الرحمن ، فسير إليه جيشا ، واستعمل عليهم الحارث بن يزيغ والقواد ، فاقتتلوا عند برجة ، فقتل كثير من أصحاب موسى ، وقتل ابن عم له ، وعاد الحارث إلى سرقسطة ، فسير موسى ابنه ألب بن موسى إلى برجة ، فعاد الحارث إليها ، وحصرها ، فملكها ، وقتل ابن موسى ، وتقدم إلى أبيه ، فطلبه ، فحضر ، فصالحه موسى على أن يخرج عنها ، فانتقل موسى إلى أرنيط .

وبقي الحارث يتطلبه أياما ، ثم سار إلى أرنيط ، فحصر موسى بها ، فأرسل موسى إلى غرسية ، وهو من ملوك الأندلسيين المشركين ، واتفقا على الحارث ، واجتمعا ، وجعلا له كماين في طريقه ، واتخذ له الخيل والرجال بموضع يقال له : بلمسة على نهر هناك ، فلما جاء الحارث النهر خرج الكمناء عليه ، وأحدقوا به ، وجرى معه قتال شديد ، وكانت وقعة عظيمة ، وأصابته ضربة في وجهه ، فلقت عينيه ، ثم أسر في هذه الوقعة .

[ ص: 85 ] فلما سمع عبد الرحمن خبر هذه الوقعة عظم عليه ، فجهز عسكرا كبيرا ، واستعمل عليه ابنه محمدا ، وسيره إلى موسى في شهر رمضان من سنة تسع وعشرين ومائتين ، وتقدم محمد إلى بنبلونة ، فأوقع عندها بجمع كثير من المشركين ، وقتل فيها غرسية وكثير من المشركين .

ثم عاد موسى إلى الخلاف على عبد الرحمن ، فجهز جيشا كبيرا وسيرهم إلى موسى ، فلما رأى ذلك طلب المسالمة ، فأجيب إليها ، وأعطى ابنه إسماعيل رهينة ، وولاه عبد الرحمن مدينة تطيلة ، فسار موسى إليها فوصلها ، وأخرج كل من يخافه ، واستقر فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية