الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أحد :

قال أبو حاتم في كتاب " الزينة " : هو اسم أكمل من الواحد ، ألا ترى أنك إذا قلت : فلان لا يقوم له واحد ، جاز في المعنى أن يقوم اثنان فأكثر ، بخلاف قولك : لا يقوم له أحد .

وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد ; تقول : ليس في الدار واحد ، فيجوز أن يكون من الدواب والطير والوحش والإنس ، فيعم الناس وغيرهم ، بخلاف ليس في الدار أحد ، فإنه مخصوص بالآدميين دون غيرهم .

قال : ويأتي الأحد في كلام العرب بمعنى الأول وبمعنى الواحد ، فيستعمل في الإثبات وفي النفي ، نحو : قل هو الله أحد [ الإخلاص : 1 ] أي : واحد ، وأول : فابعثوا أحدكم بورقكم [ الكهف : 19 ] ، وبخلافهما فلا يستعمل إلا في النفي ، تقول ما جاءني من أحد ، ومنه : أيحسب أن لن يقدر عليه أحد [ البلد : 5 ] و أن لم يره أحد [ البلد : 7 ] فما منكم من أحد [ الحاقة : 47 ] ولا تصل على أحد [ التوبة : 84 ] ، وواحد يستعمل فيها مطلقا .

وأحد يستوي فيه المذكر والمؤنث ، قال تعالى لستن كأحد من النساء [ الأحزاب : 32 ] بخلاف الواحد ، فلا يقال كواحد من النساء ، بل كواحدة ، وأحد يصلح للإفراد والجمع .

قلت : ولهذا وصف قوله تعالى : فما منكم من أحد عنه حاجزين [ الحاقة : 47 ] بخلاف الواحد .

[ ص: 457 ] والأحد له جمع من لفظه ، وهو الأحدون والآحاد ، وليس للواحد جمع من لفظه ، فلا يقال : واحدون ، بل اثنان وثلاثة .

والأحد ممتنع الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شيء من الحساب ، بخلاف الواحد . انتهى ملخصا . وقد تحصل من كلامه بينهما سبعة فروق .

وفي " أسرار التنزيل " للبارزي في سورة الإخلاص : فإن قيل : المشهور في كلام العرب أن الأحد يستعمل بعد النفي ، والواحد بعد الإثبات ، فكيف جاء ( أحد ) هنا بعد الإثبات ؟

قلنا : قد اختار أبو عبيد أنهما بمعنى واحد ، وحينئذ فلا يختص أحدهما بمكان دون الآخر ، وإن غلب استعمال ( أحد ) في النفي ، ويجوز أن يكون العدول هنا عن الغالب رعاية للفواصل . انتهى .

وقال الراغب في " مفردات القرآن " : أحد يستعمل على ضربين : أحدهما في النفي فقط ، والآخر في الإثبات .

فالأول لاستغراق جنس الناطقين ، ويتناول الكثير والقليل ، ولذلك صح أن يقال : ما من أحد فاضلين . كقوله تعالى : فما منكم من أحد عنه حاجزين [ الحاقة : 47 ] .

والثاني ، على ثلاثة أوجه :

الأول : المستعمل في العدد مع العشرات نحو : أحد عشر ، أحد وعشرين . :

والثاني : المستعمل مضافا إليه بمعنى الأول نحو : أما أحدكما فيسقي ربه خمرا [ يوسف : 41 ] .

والثالث : المستعمل وصفا مطلقا ، ويختص بوصف الله تعالى ، نحو : قل هو الله أحد [ الإخلاص : 1 ] وأصله وحد ، إلا أن وحدا يستعمل في غيره . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية