الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم ( باب ) تجب زكاة نصاب [ ص: 4 ] النعم : بملك وحول ، كملا وإن معلوفة وعاملة ونتاجا لا منها [ ص: 5 ] ومن الوحش ، وضمت الفائدة له ، وإن قبل حوله بيوم لا لأقل

[ ص: 3 ]

التالي السابق


[ ص: 3 ] باب في أحكام الزكاة )

( تجب زكاة ) أي : إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابا لمستحقه إن تم الملك وحول غير معدن وحرث ، وتطلق أيضا على الجزء المخصوص المخرج من المال المخصوص الذي بلغ نصابا إن تم الملك وحول غير المعدن والحرث وهذان معنيان شرعيان لها ، ومعناها لغة : النمو وزيادة الخير ومناسبة الشرعي اللغوي من جهة نمو الجزء المخصوص عند الله تعالى لحديث { ما تصدق عبد بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا كأنما يضعها في كف الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون كالجبل } .

ومن جهة تطهير المال وحصول البركة فيه ونموه بالربح والولادة والإثمار وتطهير صاحبه من الذنوب وحصول البركة له قال الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } .

وإضافة زكاة ( نصاب ) من إضافة اسم المصدر لمفعوله بعد حذف فاعله بكسر النون معناه لغة الأصل وشرعا قدر مخصوص إذا بلغه المال وجبت زكاته ; لأنه أصل للوجوب ويحتمل أنه مأخوذ من النصب بسكون الصاد بمعنى التعليم ; لأنه علامة على وجوبها ويحتمل [ ص: 4 ] أنه من النصيب ; لأن للمستحقين نصيبا فيه ويحتمل أنه من النصب بفتحها أي : التعب ; لأنه سبب في نصب السعاة وتعبهم بالطواف على أرباب الأموال .

وإضافة نصاب ( النعم ) لامية بفتح النون والعين المهملة أي : الإبل والبقر والغنم لكثرة نعم الله تعالى فيها على خلقه بالنمو والولادة واللبن والصوف والوبر والشعر وعموم الانتفاع أو من نعم الجوابية بجامع السرور بكل منهما ( ب ) سبب ( ملك ) لنصاب النعم فلا زكاة على مودع بالفتح ومرتهن ومستعير ومستأجر وملتقط لعدم ملكهم ما بأيديهم .

( و ) ب ( حول ) على النصاب وهو مملوك ( كملا ) بفتح الميم على الأفصح أي : الملك والحول فلا زكاة على مالك ملكا غير كامل كرقيق ومدين وغاصب ليس لهما ما يجعلانه في الدين والمال الذي بيدهما عين ولا على من لم يكمل الحول والنصاب في ملكه وهو غير معدن وحرث والحول شرط اتفاقا ; لأنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ، وأما الملك فقال القرافي إنه سبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته وهو الحق .

وقال ابن الحاجب إنه شرط نظرا للظاهر وقرن المصنف له بالحول يدل على أنه تبع ابن الحاجب في أنه شرط والباء في كلامه تحتمل المعية والملابسة فلا تتعين السببية إن كانت النعم راعية وغير عاملة وكبارا بل ( وإن ) كانت ( معلوفة وعاملة ) في حرث أو حمل أو سقي والتقييد بالسائمة في حديث { في سائمة الغنم زكاة } ; لأنه الغالب على مواشي العرب فهو لبيان الواقع لا مفهوم له نظير قوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم } ، فإنها تحرم ولو لم تكن في الحجر .

( ونتاجا ) بكسر النون أي : صغارا فتزكى على حول أمهاتها إن كانت نصابا وماتت الأمهات كلها أو مكملة له بأن مات بعض الأمهات وبقي منها مع النتاج نصاب أو ملك دون نصاب فولدت ما تم به النصاب ( لا ) تجب الزكاة في نعم متولدة ( منها ) أي : [ ص: 5 ] النعم الإنسية ( ومن الوحش ) بأن ضربت فحول الظباء في إناث المعز أو عكسه أو فحول بقر الوحش في إناث البقر الإنسية أو عكسه البناني ظاهر نقل المواق قصر النتاج الذي لا زكاة فيه على المتولد منها ومن الوحش مباشرة ، وأما المتولد منهما بواسطة فتجب الزكاة فيه بلا خلاف واستظهره البدر .

( وضمت ) بضم الضاد المعجمة وشد الميم ( الفائدة ) أي : ما تجدد ملكه من النعم بشراء أو نحو هبة وصلة ضمت ( له ) أي : نصاب أي : النعم إن اتحد نوعهما إن حصلت الفائدة قبل تمام حوله بزمن طويل بل ( وإن ) حصلت ( قبل ) تمام ( حوله ) أي : النصاب ( بيوم ) أي : جزء من الزمن ولو لحظة فمن ملك أو زكى نصاب نعم أول المحرم وملك نصابا آخر ولو في آخر يوم من ذي الحجة زكاهما معا أول المحرم إن كانا من نوع واحد ( لا ) تضم فائدة النعم ( لأقل ) من نصاب سواء كانت الفائدة نصابا أو أقل وتضم الأولى للثانية المتممة للنصاب ويستقبل بهما حولا من يوم الثانية إلا النتاج فيضم لأصله الناقص عن النصاب ويزكى مجموعهما على حول أصله إن اجتمع منهما نصاب .

وسيأتي أن فائدة العين يستقبل بها حولا من يوم قبضها والفرق بينهما أن زكاة الماشية موكولة للساعي فلو لم تضم الفائدة للنصاب لزم خروجه مرتين وفيه مشقة ظاهرة وزكاة العين موكولة لأربابها ولا مشقة عليهم في زكاة كل فائدة عند تمام حولها وإن كانت الماشية الأولى دون نصاب وضمت للفائدة فلا يلزم ذلك واعترضه اللخمي وغيره بأن هذا الحكم فيمن لا ساعي لهم أيضا كما في العتبية .

وأجاب عنه أبو إسحاق بأنه لما كان الغالب أنها لها ساع حمل النادر على الغالب طردا للباب على وتيرة واحدة .




الخدمات العلمية