الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1492 [ 888 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي: فإن سفيان أخبره، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " "الجار أحق ( بشفعته) . .

التالي السابق


الشرح

عمرو: هو ابن الشريد. عن: أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولى [ ص: 151 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأباه الشريد.

روى عنه: إبراهيم بن ميسرة، ويعلى بن عطاء، وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي .

وقوله: "الشفعة فيما لم يقسم" رواه مالك في الموطأ من رواية ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة مرسلا كما رواه الشافعي، ورواه عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ويحيى بن عبد الرحمن بن أبي قتيلة وأبو عاصم الضحاك بن مخلد عن مالك فرفعوه وقالوا: عن سعيد [و] أبي سلمة عن أبي هريرة . وفي بعض الروايات عن أبي عاصم عن سعيد أو أبي سلمة.

قال الحافظ أحمد البيهقي: كأن ابن شهاب كان لا يشك في رواية أبي سلمة عن جابر موصولا كما سنذكر من رواية غيره، ولا يشك في رواية ابن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا، وإنما كان يشك في روايتهما جميعا عن أبي هريرة .

والحديث من رواية معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، أخرجه البخاري عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، وعن مسدد [ ص: 152 ] عن عبد الواحد بن زياد، بروايتهما عن معمر.

ويشبه أن يريد الشافعي بالثقة: محمد بن عبد الرحمن الجندي; فقد روى الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأسد أباذي، عن عبد الوهاب، عن يحيى بن عثمان، عن عائذ بن يحيى البلخي، عن الشافعي، عن محمد بن عبد الرحمن الجندي، عن معمر عن الزهري، ووافق صالح بن أبي الأخضر معمرا فرواه عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، ويتأكد ذلك بأن عكرمة بن عمار رواه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر.

وحديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أخرج معناه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره عن عبد الله بن إدريس عن ابن جريج.

وحديث أبي رافع أخرجه البخاري في الصحيح ورواه أبو داود في السنن عن عبد الله بن محمد النفيلي عن سفيان.

والحديث الأول بطرقه يدل على أن الشفعة تختص بالمشاع، وأنه لا شفعة للجار، وبه قال عمر وعثمان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور رضي الله عنهم.

وأما حديث أبي رافع فالأشهر من الرواية "الجار أحق بسقبه" والسقب: القرب والجوار، ويقال: الصقب بالصاد، وعلى هذا فيحتمل أن يريد به الشفعة، ويحتمل أن يريد أنه أحق بالبر والإحسان، [ ص: 153 ] كما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ فقال: "إلى أقربهما منك بابا" .

ثم اسم الجار قد يقع على الشريك لمجاورته ومساكنته الشريك، ولذلك تسمى الزوجة جارة كما قال الأعشى:

أجارتنا بيني فإنك طالقة.

فليحمل عليه توفيقا بين الخبرين.

ومن الأصحاب من رجح الخبر بأن أسانيده قويمة لا اضطراب فيها، وفي إسناد حديث أبي رافع نوع اضطراب; فروي عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع كما في الكتاب، وروي عن عمرو عن أبيه الشريد، قال أبو سليمان الخطابي : وأرسله بعضهم، وقال: قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن الشريد.

واحتج بقوله: "الشفعة فيما لم يقسم" على أن ما لا تدخله القسمة ولا تحتملها كالبئر ونحوها لا شفعة فيه، وأثبت أبو حنيفة الشفعة فيه، وبه قال ابن سريج، واختاره أبو سليمان الخطابي.




الخدمات العلمية