الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
182 - ( 4 ) - حديث : { من غسل ميتا فليغتسل } أحمد والبيهقي ، من رواية ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، بهذا ، وزاد { ومن حمله فليتوضأ } وصالح ; ضعيف ، ورواه البزار ، من رواية [ ص: 237 ] العلاء ، عن أبيه ، ومن رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، ومن رواية أبي بحر البكراوي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، كلهم عن أبي هريرة ، ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث عبد العزيز بن المختار ، وابن حبان ، من رواية حماد بن سلمة كلاهما ، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ورواه أبو داود ، من رواية عمرو بن عمير ، وأحمد من رواية شيخ يقال له أبو إسحاق ، كلاهما عن أبي هريرة ، وذكر البيهقي له طرقا وضعفها ، ثم قال : والصحيح أنه موقوف ، وقال البخاري : الأشبه موقوف . وقال علي وأحمد : لا يصح في الباب شيء ، نقله الترمذي عن البخاري عنهما ، وعلق الشافعي القول به على صحة الخبر ، وهذا في البويطي .

وقال الذهلي : لا أعلم فيه حديثا ثابتا ، ولو ثبت للزمنا استعماله . وقال ابن المنذر : ليس في الباب حديث يثبت ، وقال ابن أبي حاتم في العلل ، عن أبيه : لا يرفعه الثقات ، إنما هو موقوف ، وذكر الدارقطني الخلاف في حديث ابن أبي ذئب ، هل هو عن صالح ، أو عن المقبري ، أو عن سهيل ، عن أبيه ، أو عن القاسم بن عباس ، عن عمرو بن عمير ، ثم قال : وقوله : عن المقبري ، أصح ، وقال الرافعي : لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا [ ص: 238 ] مرفوعا ، قلت : قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان : وله طرق أخرى ، قال عبد الله بن صالح ثنا يحيى بن أيوب ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، رفعه : { من غسل ميتا فليغتسل }ذكره الدارقطني ، وقال : فيه نظر ، قلت : رواته موثقون .

وقال ابن دقيق العيد في الإلمام : حاصل ما يعتل به وجهان ، أحدهما : من جهة الرجال ، ولا يخلو إسناد منها من متكلم فيه ، ثم ذكر ما معناه أن أحسنها رواية سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة وهي معلولة ، وإن صححها ابن حبان وابن حزم ، فقد رواه سفيان ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن إسحاق مولى زائدة ، عن أبي هريرة ، قلت : إسحاق مولى زائدة أخرج له مسلم ، فينبغي أن يصحح الحديث ، قال : وأما رواية محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، فإسناده حسن ، إلا أن الحفاظ من أصحاب محمد بن عمرو رووه عنه موقوفا . وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا ، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض ، وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي : طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء ، ولم يعلوها بالوقف ، بل قدموا رواية الرفع ، والله أعلم . وفي الباب : عن عائشة ، رواه أحمد وأبو داود والبيهقي ، وفي إسناده مصعب بن شيبة ، وفيه مقال ، وضعفه أبو زرعة وأحمد . والبخاري ، وصححه ابن خزيمة .

وفيه عن علي : وسيأتي في الجنائز . وعن حذيفة : ذكره ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل ، وقالا : إنه لا يثبت ، قلت : ونفيهما الثبوت على طريقة المحدثين ، وإلا فهو على طريقة الفقهاء [ ص: 239 ] قوي ، لأن رواته ثقات ، أخرجه البيهقي ، من طريق معمر ، عن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن حذيفة ، وأعله بأن أبا بكر بن إسحاق الضبعي ، قال : هو ساقط . قال علي بن المديني : لا يثبت فيه حديث ، انتهى . وهذا التعليل ليس بقادح لما قدمناه . وعن أبي سعيد : رواه ابن وهب في جامعه . وعن المغيرة : رواه أحمد في مسنده ، وذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقا ، قلت : وليس ذلك ببعيد .

وقد أجاب أحمد عنه بأنه منسوخ ، وكذا جزم بذلك أبو داود ، ويدل له ما رواه البيهقي عن الحاكم ، عن أبي علي الحافظ ، عن أبي العباس الهمداني الحافظ ، ثنا أبو شيبة ، ثنا خالد بن مخلد ، عن سليمان بن بلال ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه ، إن ميتكم يموت طاهرا وليس بنجس ، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم }قال البيهقي : هذا ضعيف ، والحمل فيه على أبي شيبة ، قلت : أبو شيبة ، هو إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة ، احتج به النسائي ووثقه الناس ، ومن فوقه احتج بهم البخاري ، وأبو العباس الهمداني ، هو ابن عقدة ، حافظ كبير ، إنما تكلموا فيه بسبب المذهب ، ولأمور أخرى ، ولم يضعفه بسبب المتون أصلا ، فالإسناد حسن ، فيجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة بأن الأمر على الندب ، أو المراد بالغسل غسل الأيدي ، كما صرح به في هذا الحديث .

قلت : يؤيد أن الأمر فيه للندب ، ما روى الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المخرمي ، من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : قال لي أبي : كتبت حديث عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : كنا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ، ومنا من لا يغتسل " ؟ قال : قلت : لا ، قال : في ذلك الجانب شاب يقال له : محمد بن عبد الله ، يحدث به عن أبي هشام المخزومي ، عن وهيب فاكتبه عنه . قلت : وهذا إسناد صحيح ، وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية