الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ورزق ربك خير وأبقى ) أي ما ذخر لهم من المواهب في الآخرة ( خير ) مما متع به هؤلاء في الدنيا ( وأبقى ) أي أدوم . وقيل : ما رزقهم وإن كان قليلا خير مما رزقوا وإن كان كثير الحلية ذلك وحرمية هذا . وقيل : ما رزقت من النبوة والإسلام . وقيل : ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم . وقيل : القناعة . وقيل : ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا . ولما أمره تعالى بالتسبيح في تلك الأوقات المذكورة ونهاه عن مد بصره إلى ما متع به الكفار أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة التي هي بعد الشهادة آكد أركان الإسلام ، وأمره بالاصطبار على مداومتها ومشاقها وأن لا يشتغل عنها ، وأخبره تعالى أن لا يسأله أن يرزق نفسه وأن لا يسعى في تحصيل الرزق ويدأب في ذلك ، بل أمره بتفريغ باله لأمر الآخرة ويدخل في خطابه عليه السلام أمته . وقرأ الجمهور ( نرزقك ) بضم القاف . وقرأت فرقة ، [ ص: 292 ] منهم ابن وثاب بإدغام القاف في الكاف وجاء ذلك عن يعقوب قال صاحب اللوامح : وإنما امتنع أبو عمرو من إدغام مثله بعد إدغامه ( نرزقكم ) ونحوها لحلول الكاف منه طرفا وهو حرف وقف ، فلو حرك وقفا لكان وقوفه على حركة وكان خروجا عن كلامهم . ولو أشار إلى الفتح لكان الفتح أخف من أن يتبعض بل خروج بعضه كخروج كله ، ولو سكن لأجحف بحرف . ولعل من أدغم ذهب مذهب من يقول جعفر وعامر وتفعل فيشدد وقفا أو أدغم على شرط أن لا يقف بحال فيصير الطرف كالحشو . انتهى . و ( العاقبة ) أي الحميدة أو حسن العاقبة لأهل التقوى ( وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه ) هذه عادتهم في اقتراح الآيات كأنهم جعلوا ما ظهر من الآيات ليس بآيات ، فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بقوله ( أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ) أي القرآن الذي سبق التبشيرية وبإيحائي من الرسل به في الكتب الإلهية السابقة المنزلة على الرسل ، والقرآن أعظم الآيات في الإعجاز وهي الآية الباقية إلى يوم القيامة . وفي هذا الاستفهام توبيخ لهم . وقرأنافع وأبو عمرو وحفص ( تأتهم ) بالتاء على لفظ بينة . وقرأ باقي السبعة وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيدة وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي ( يأتهم ) بالياء لمجاز تأنيث الآية والفصل . وقرأ الجمهور بإضافة ( بينة ) إلى ( ما ) وفرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو بالتنوين و ( ما ) بدل . قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون ما نفيا وأريد بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصل مما لم يكن في غيره من الكتب . وقرأت فرقة بنصب ( بينة ) والتنوين و ( ما ) فاعل بتأتهم و ( بينة ) نصب على الحال ، فمن قرأ يأتهم بالياء فعلى لفظ ( ما ) ومن قرأ بالتاء راعى المعنى لأنه أشياء مختلفة وعلوم من مضى وما شاء الله . وقرأ الجمهور ( في الصحف ) بضم الحاء ، وفرقة منهم ابن عباس بإسكانها والضمير في ضمن قبله يعود على البينة لأنها في معنى البرهان ، والدليل قاله الزمخشري والظاهر عوده على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله : ( لولا أرسلت إلينا رسولا ) ولذلك قدره بعضهم قبل إرساله محمدا إليهم والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة . وقيل ( نذل ) في الدنيا و ( نخزى ) في الآخرة . وقيل : الذل الهوان والخزي الافتضاح . وقرأ الجمهور ( نذل ونخزى ) مبنيا للفاعل ، وابن عباس ومحمد ابن الحنفية وزيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب مبنيا للمفعول . ( قل كل متربص فتربصوا ) أي منتظر منا ومنكم عاقبة أمره ، وفي ذلك تهديد لهم ووعيد وأفرد الخبر وهو ( متربص ) حملا على لفظ ( كل ) كقوله ( قل كل يعمل على شاكلته ) والتربص التأني والانتظار للفرج و ( من أصحاب ) مبتدأ وخبر علق عنه ( فستعلمون ) وأجاز الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة ب فستعلمون و ( أصحاب ) خبر مبتدأ محذوف تقديره الذي هم أصحاب ، وهذا جار على مذهب الكوفيين إذ يجيزون حذف مثل هذا الضمير مطلقا سواء كان في الصلة طول أم لم يكن وسواء كان الموصول أيا أم غيره . وقرأ الجمهور ( السوي ) على وزن فعيل أي المستوي . وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير السواء أي الوسط . وقرأ الجحدري وابن يعمر السوأى على وزن فعلى أنث لتأنيث ( الصراط ) وهو مما يذكر ويؤنث تأنيث الأسواء من السوأى على ضد الاهتداء قوبل به ( ومن اهتدى ) على الضد ومعناه ( فستعلمون ) أيها الكفار من على الضلال ومن على الهدى ، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس الصراط السوء وقد روي عنهما أنهما قرآ السوأى على وزن فعلى ، فاحتمل أن يكون أصله السووى إذ روي ذلك عنهما فخفف الهمزة بإبدالها واوا وأدغم ، واحتمل أن يكون فعلى من السواء أبدلت ياؤه واوا وأدغمت الواو في الواو ، وكان القياس أنه لما بني فعلى من السواءان [ ص: 293 ] يكون السويا فتجتمع واو وياء ، وسبقت إحداهما بالسكون فتقلب الواو ياء وتدغم في الياء ، فكان يكون التركيب السيا . وقرئ السوي بضم السين وفتح الواو وشد الياء تصغير السوء . قاله الزمخشري ، وليس بجيد إذ لو كان تصغير سوء لثبتت همزته في التصغير ، فكنت تقول سؤيـي والأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطاء عطي . ومن قرأ السوأى أو السوء كان في ذلك مقابلة لقوله ( ومن اهتدى ) وعلى قراءة الجمهور لم تراع المقابلة في الاستفهام

التالي السابق


الخدمات العلمية