الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        مال الفيء يقسم خمسة أسهم ، فأربعة يأتي بيان مصرفها ، والخمس الآخر يقسم على خمسة أسهم متساوية :

                                                                                                                                                                        أحدها : السهم المضاف إلى الله - عز وجل - وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينفق منه على نفسه وأهله ومصالحه ، وما فضل جعله في السلاح عدة في سبيل الله تعالى وفي سائر المصالح . وأما بعده - صلى الله عليه وسلم - ، فيصرف هذا السهم في مصالح المسلمين ، كسد الثغور ، وعمارة الحصون والقناطر والمساجد ، وأرزاق القضاة والأئمة ، ويقدم الأهم فالأهم .

                                                                                                                                                                        ونقل الشافعي - رحمه الله - عن بعض العلماء : أن هذا السهم يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى ، فذكر أبو الفرج الزاز : أن بعض الأصحاب جعل هذا قولا للشافعي ؛ لأنه استحسنه . وحكى في الوسيط وجها : أن هذا السهم يصرف إلى الإمام ؛ لأنه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذان النقلان شاذان مردودان .

                                                                                                                                                                        السهم الثاني : لذوي القربى ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، يشترك فيه فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم ، بشرط كون الانتساب بالآباء ، فلا يعطى أولاد البنات .

                                                                                                                                                                        قلت : وحكى ابن المنذر وابن كج وجها في اختصاصه بفقرائهم ، وهو شاذ متروك . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 356 ] ولا يفضل أحد منهم على أحد إلا بالذكورة ، فللذكر سهمان ، وللأنثى سهم . وقال المزني : يسوى بينهما . وقال القاضي حسين : المدلي بجهتين يفضل على المدلي بجهة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يعم بالعطاء الحاضر في موضع حصول الفيء والغائب عنه على الصحيح . وقال أبو إسحاق : ما حصل في إقليم ، دفع إلى من فيه ، لمشقة النقل . واحتجوا للصحيح بظاهر الآية ، وبالقياس على الإرث . وأما المشقة ، فيأمر الإمام أمناءه في كل إقليم بضبط من فيه ، ولا يلزمه نقل ما في كل إقليم إلى جميع الأقاليم ، بل الحاصل في كل إقليم يضبط ، يفرق على ساكنيه . فإن لم يكن في بعضها شيء ، أو لم يف بمن فيه ، نقل قدر الحاجة . قال الإمام : ولو كان الحاصل قدرا لو وزع لم يسد مسدا ، قدم الأحوج ، ولا يستوعب للضرورة .

                                                                                                                                                                        السهم الثالث : لليتامى . واليتيم : الصغير الذي لا أب له ، قيل : ولا جد . ويشترط فيه الفقر على المشهور . وقيل : على الصحيح .

                                                                                                                                                                        السهم الرابع والخامس : المساكين وابن السبيل ، وقد سبق بيانهما في الزكاة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في تعميم اليتامى والمساكين وابن السبيل ، وتخصيص الحاصل في كل إقليم وناحية بأهله ، الخلاف في أهل القربى ، حكاه الشيخ أبو حامد وغيره .

                                                                                                                                                                        [ ص: 357 ] فرع

                                                                                                                                                                        سبق في باب الوصية : أن عند الانفراد يدخل الفقراء في اسم المساكين ، وعكسه ، ولفظ المساكين هنا مفرد ، فيدخل فيه الفقراء ، وحينئذ مقتضى القول بوجوب تعميم مساكين الإقليم أو العالم تناول الفقراء أيضا ، وهذا مقتضى كلام بعضهم . ومنهم من يقول : يجوز الصرف إلى الفقراء ؛ لأنهم أشد حاجة ، وهذا لا يقتضي تناولهم .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح الأول ، وأنهما داخلان في الاسم . وممن صرح به القاضي أبو الطيب في تعليقه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يجوز أن يفاوت بين اليتامى ، وكذا في المساكين وأبناء السبيل ؛ لأن هؤلاء يستحقون بالحاجة ، فتراعى حاجاتهم ، بخلاف ذوي القربى ، فإنهم يستحقون بالقرابة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يشترط أن يكون هؤلاء الأصناف الثلاثة من المرتزقة على الصحيح المعروف . وعن القفال : اختصاصه بيتامى المرتزقة ، وذكر الماوردي مثله في المساكين وأبناء السبيل .

                                                                                                                                                                        [ ص: 358 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا فقد بعض الأصناف ، وزع نصيبه على الباقين كالزكاة ، إلا سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه للمصالح كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجوز الصرف إلى كافر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجوز الاقتصار على إعطاء ثلاثة من اليتامى ، ولا من المساكين ، ولا من أبناء السبيل ، كما قلنا في الزكاة إذا فرقها الإمام .

                                                                                                                                                                        قلت : لا يجوز دفع شيء من سهم ذوي القربى إلى مواليهم ، قال صاحب ( ( التلخيص ) ) : لو ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل ، قبل بلا بينة ، ولا يقبل اليتم والقرابة إلا ببينة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية