الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) : امرأة ولدت وانقطع دمها بعد يوم أو يومين أو ثلاثة انتظرت إلى آخر الوقت ثم اغتسلت وصلت فالانتظار لتوهم أن يعاودها الدم ، والاغتسال في آخر الوقت ; لأنها طاهرة ظاهرا وقد بينا نظيره في الحيض ، فإن كانت طلقت حين ولدت صدقت على انقضاء العدة في أربعة وخمسين يوما وزيادة ما في قول محمد رحمه الله تعالى وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما وفي قول أبي حنيفة في رواية محمد رحمهما الله تعالى لا تصدق في أقل من خمسة وثمانين يوما وفي رواية الحسن رحمه الله تعالى لا تصدق في أقل من مائة يوم ، وذكر أبو سهل الفرائضي رحمه الله تعالى في كتاب الحيض رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنها لا تصدق في أقل من مائة وخمسة عشر يوما .

وهذه المسألة تنبني [ ص: 217 ] على فصلين : أحدهما : ما بينا أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الدم محيطا بطرفي الأربعين فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا ، وإن طال والثاني أن المطلقة إذا كانت تعتد بالأقراء في كم تصدق إذا أخبرت بانقضاء العدة فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : لا تصدق في أقل من ستين يوما .

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تصدق في تسعة وثلاثين يوما وتخريج قولهما أنه يجعل كأنه طلقها في آخر جزء من أجزاء الحيض ، وحيضها أقل الحيض ثلاثة ، وطهرها أقل الطهر خمسة عشر فثلاث مرات ثلاثة يكون تسعة وطهران كل واحد منهما خمسة عشر يكون ثلاثين فلهذا صدقت في تسعة وثلاثين يوما ; لأنها أمينة فإذا أخبرت بما هو محتمل يجب قبول خبرها ، وقيل على قول أبي يوسف رضي الله تعالى عنه ينبغي أن تصدق في سبعة وثلاثين يوما ونصف وأربع ساعات ; لأنا قد بينا أن أقل الحيض عنده يومان ، والأكثر من اليوم الثالث فيجعل كل حيضة يومان ونصف وساعة فذلك سبعة وثلاث ساعات وساعة الإخبار والاغتسال فتصدق في سبعة وثلاثين يوما ونصف وأربع ساعات للاحتمال .

فأما تخريج قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فعلى ما ذكره محمد رحمه الله تعالى يجعل كأنه طلقها من أول الطهر تحرزا عن إيقاع الطلاق في الطهر بعد الجماع وطهرها خمسة عشر ; لأنه لا غاية لأكثر الطهر فيقدر بأقله وحيضها خمسة ; لأن من النادر أن يكون حيضها أقل أو يمتد إلى أكثر الحيض فيعتبر الوسط من ذلك ، وذلك خمسة فثلاثة أطهار كل طهر خمسة عشرة يكون خمسة وأربعين وثلاث حيض كل حيضة خمسة يكون خمسة عشر فذلك ستون يوما وعلى ما رواه الحسن رحمه الله تعالى يجعل كأنه طلقها في آخر جزء من الطهر ; لأن التحرز عن تطويل العدة واجب وإيقاع الطلاق في آخر الطهر أقرب إلى التحرز عن تطويل العدة ثم الحيض لها عشرة ; لأنا لما قدرنا طهرها بأقل المدة نظرا إليها : يقدر حيضها بأكثر الحيض نظرا للزوج فثلاث حيض كل حيضة عشرة يكون ثلاثين وطهران كل طهر خمسة عشر يوما يكون ثلاثين فذلك ستون قال : ولا معنى لما قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لأنه لا احتمال لتصديقها في تلك المدة إلا بعد أمور كلها نادرة منها أن يكون الإيقاع في آخر جزء من أجزاء الطهر ، ومنها أن يكون حيضها أقل مدة الحيض ، ومنها أن يكون طهرها أقل مدة الطهر ، ومنها أن لا تؤخر الإخبار عن ساعة الانقضاء والأمين إذا أخبر بما لا يمكن تصديقه فيه إلا بأمور هي نادرة لا يصدق كالوصي إذا قال : أنفقت على الصبي في يوم مائة درهم لا يصدق [ ص: 218 ] وما قاله محتمل بأن يشتري له نفقة فتسرق ثم مثلها فتحرق ثم مثلها فتتلف فلا يصدق لكون هذه الأمور نادرة فكذلك هنا ، فإن كانت المطلقة أمة فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تصدق في أحد وعشرين يوما ; لأن حيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر فحيضتان تكون ستة وطهرها بينهما يكون خمسة عشر فذلك أحد وعشرون يوما وعند أبي حنيفة في رواية محمد رحمهما الله تعالى تصدق في أربعين يوما ، ويجعل كأنه طلقها في أول الطهر فطهران كل واحد منهما خمسة عشر يكون ثلاثين وحيضتان كل واحدة منهما خمسة يكون عشرة فذلك أربعون ، وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى تصدق في خمسة وثلاثين يوما ، ويجعل كأنه طلقها في آخر الطهر فحيضتان كل واحدة منهما عشرة ، وطهرها خمسة عشر بينهما يكون خمسة وثلاثين يوما إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان مسألة الكتاب .

إذا قال لامرأته الحامل : إذا ولدت فأنت طالق فأما تخريج قول أبي حنيفة على رواية محمد رحمهما الله تعالى أن يجعل نفاسها خمسة وعشرين يوما تحرزا عن معاودة الدم بعد الطهر قبل كمال الأربعين وطهرها خمسة عشر فذلك أربعون ثم حيضها خمسة وطهرها خمسة عشر فثلاث حيض كل حيضة خمسة وطهران بينها كل واحد منهما خمسة عشر يكون خمسة وأربعين فإذا ضممته إلى الأربعين يكون خمسة وثمانين فتصدق في هذا القدر ، وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى التخريج هكذا إلا أن حيضها بعد الأربعين عشرة فثلاث حيض كل حيضة عشرة وطهران بينها يكون ستين يوما إذا ضممتها إلى الأربعين يكون مائة يوم وعلى رواية أبي سهل الفرائضي رحمه الله تعالى قال : يجعل نفاسها أربعين يوما ; لأن أكثر مدة النفاس معلوم كأكثر مدة الحيض وكما قدرنا حيضها بأكثر المدة كذلك قدرنا نفاسها بأكثر المدة ثم بعد النفاس طهر خمسة عشر فذلك خمسة وخمسون إذا ضممت إليه ستين يوما كما بينا كان مائة يوم وخمسة عشر يوما فلهذا لا تصدق فيما دون هذا القدر فأما على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يجعل نفاسها أحد عشر يوما ; لأن أدنى مدة النفاس هذا ، وذلك ; لأن العادة أن مدة النفاس تزيد على مدة الحيض والساعات لا يمكن ضبطها وكذلك الأيام لا غاية لأكثرها فقدرنا الزيادة بيوم واحد فكان نفاسها أحد عشر يوما وعابه محمد رحمه الله تعالى في ذلك فقال : هو يقول إذا انقطع عن النفساء دمها في أقل من أحد عشر يوما اغتسلت وصلت فهذا ينقض قوله في المعتدة ، ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى في هذا الحرف اعتبر [ ص: 219 ] العادة دون الاحتمال ثم طهرها خمسة عشر فذلك ستة وعشرون ثم بعده تسعة وثلاثون يوما لثلاث حيض كما بينا فذلك خمسة وستون يوما ; فلهذا صدقها في هذا القدر ، وعلى قول محمد رضي الله تعالى عنه تصدق في أربعة وخمسين يوما وزيادة ; لأنه لا غاية لأقل النفاس فإذا قالت : كان ساعة وجب تصديقها للاحتمال ، والطهر بعده خمسة عشر ثم تسعة وثلاثون يوما لثلاث حيض فذلك أربعة وخمسون يوما فصدقت في هذا المقدار للاحتمال .

فإن كانت المرأة أمة ، والمسألة بحالها فعلى تخريج محمد لقول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى تصدق في خمسة وستين يوما نفاسها خمسة وعشرون ، وطهرها خمسة عشر وحيضها خمسة فحيضتان بعد الأربعين ، وطهر بينهما يكون خمسة وعشرين إذا ضممته إلى الأربعين يكون خمسة وستين يوما ، وعلى رواية الحسن رضي الله تعالى عنه تصدق في خمسة وسبعين ; لأنه يجعل حيضها عشرة فحيضتان بعد الأربعين ، وطهر بينهما يكون خمسة وثلاثين يوما إذا ضممتها إلى الأربعين يكون خمسة وسبعين وعلى رواية أبي سهل الفرائضي رضي الله تعالى عنه تصدق في تسعين يوما نفاسها أربعون وحيضها عشرة فطهران وحيضتان يكون خمسين يوما إذا ضممته إلى الأربعين يكون تسعين ، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى تصدق في سبعة وأربعين يوما نفاسها أحد عشر ، والطهر بعده خمسة عشر فذلك ستة وعشرون إذا ضممته إلى أحد وعشرين كما بينا يكون سبعة وأربعين ، وعلى قول محمد رضي الله تعالى عنه تصدق في ستة وثلاثين يوما وساعة ; لأنه يجعل نفاسها ساعة وطهرها خمسة عشر ثم بعد ذلك أحد وعشرون كما بينا من قوله فذلك ستة وثلاثون يوما وساعة تصدق في هذا المقدار إذا أخبرت بانقضاء العدة للاحتمال والله أعلم بالصواب

التالي السابق


الخدمات العلمية