الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
679 - " إذا سرق المملوك؛ فبعه؛ ولو بنش " ؛ (حم خد د) عن أبي هريرة ؛ (ح).

التالي السابق


(إذا سرق المملوك) ؛ أي: القن؛ شيئا؛ قل؛ أو كثر؛ لك؛ أو لغيرك؛ (فبعه) ؛ وفي رواية لأبي نعيم: " إذا سرق العبد؛ فبيعوه" ؛ [ ص: 375 ] (ولو) ؛ للتقليل هنا؛ كما في القواطع؛ لكن قال الزركشي: الحق أن التقليل مستفاد مما بعد " لو" ؛ من الصيغة؛ (بنش) ؛ بكسر الموحدة؛ وفتح النون؛ وشين معجمة؛ نصف أوقية؛ وهو عشرون درهما؛ كأنه سمي به لخفته؛ وقلته؛ من " النشنشة" ؛ وهي التحرك؛ والخفة؛ والحركة من واد واحد؛ كذا ذكره الزمخشري ؛ جازما؛ ورأيت في المطامح أنه القربة البالية؛ ولم يذكر فيه سواه؛ ولم أر فيه سلفا؛ لكنه لم يذكره رجما بالغيب؛ وأيا ما كان فهذا خرج مخرج التقليل؛ والترهيب؛ في القن السارق؛ فكأنه قال: لا تمسكه عندك؛ ولا تتركه في بيتك؛ بل بعه بما تيسر؛ وإن كان تافها جدا؛ ففيه دليل على إبعاد أهل الفساد والمعاصي؛ واحتقارهم؛ وأن السرقة عيب فاحش؛ منقص للقيمة؛ وإذا باعه وجب أن يعرف بسرقته؛ لكونه من أقبح العيوب؛ فلا يحل له كتمه؛ ويظهر أن مثل البيع كل ما يزيل الملك عنه؛ أو يحصل به مفارقته؛ كهبته؛ وكتابته؛ ووقفه؛ وعتقه؛ لكن قد يتوقف في العتق من حيث إنه يرفع الرق عنه؛ لكثرة إضراره للناس بالسرقة؛ والظاهر أن المراد بالسرقة هنا معناها اللغوي؛ وكما يطلب بيع القن إذا سرق؛ يطلب بيعه إذا زنى؛ لقوله من حديث مسلم : " إذا زنت أمة أحدكم؛ فتبين زناها؛ فليحدها؛ ولا يثرب عليها؛ أو لا يوبخ؛ ولا يعير؛ ولا يكثر من اللوم" ؛ ثم قال: " إن زنت فبيعوها؛ ولو بضفير" ؛ أي: بحبل مضفور؛ " فعيل" ؛ بمعنى " مفعول" ؛ وفي رواية: " ولو بحبل من شعر" ؛ فوصف الحبل بكونه من شعر؛ لأنها أكثر حبالهم؛ وهذا خارج مخرج التقليل والتزهيد؛ كما تقرر فيما قبله؛ فإن قيل: إذا كان مقصوده إبعاد السارق والزاني؛ وأنه يلزم البائع الإخبار بعيبه؛ فلا ينبغي لأحد شراؤه لكونه مأمورا بإبعاده؛ فالجواب أنه مال؛ فلا مساغ للنهي عن إضاعة المال؛ ولا يسيب؛ ولا يحبس دائما؛ إذ كل ذلك إضاعة مال؛ ولو سيب كان إغراء له على السرقة والزنا؛ وتمكينا له منها؛ فلم يبق إلا بيعه؛ ولعل السيد الثاني يبالغ في حفظه؛ فيمنعه من ذلك؛ وبالجملة: فعند تبدل الأملاك تختلف الأحوال؛ والجمهور حملوا الأمر ببيع السارق والزاني على الندب؛ والإرشاد؛ إلا داود؛ وأهل الظاهر؛ فقالوا بوجوبه؛ تمسكا بظاهر الأمر؛ وصرفه الجمهور عن ظاهره عملا بالأصل الشرعي أنه لا يجبر أحد على إخراج ملكه لملك أحد بغير الشفعة؛ فلو وجب لأجير عليه ولم يجبر عليه؛ فلم يجب؛ واستنبط منه بعضهم جواز البيع بالغبن؛ لأنه بيع خطير بثمن يسير؛ ورد بأن الغبن المختلف فيه بيع جهالة من المغبون؛ وأما مع العلم بقدر المبيع والثمن وحالهما؛ فلا؛ وإنما أمر في حديث مسلم بعدم توبيخه وتعييره؛ لأن الإكثار من ذلك يزيل الحياء والحشمة؛ ويجرئ على ذلك الفعل؛ ولأن العبد غالبا لا ينفعه لوم؛ ولا توبيخ؛ بل ربما كان إغراء؛ وإنما يظهر أثره في الحر؛ إن ظهر؛ ألا ترى إلى قوله:


واللوم للحر مقيم رادع ... والعبد لا يردعه إلا العصا



ولأنها عقوبة زائدة على الحد المشروع؛ ولا يدخل فيه نحو وعظ وتخويف بعقاب الله؛ وتهديد؛ احتيج إليه؛ لأنه ليس بتثريب؛ وأفاد خبر مسلم أن للسيد أن يحده؛ وبه قال الجمهور؛ إلا أبا حنيفة؛ فقال: لا يحده إلا الإمام؛ وقال الشافعي : يقطعه في السرقة؛ وقال مالك : أمنعه مخافة أن يمثل به؛ قال الراغب : و" السرقة" : أخذ ما ليس لك أخذه؛ في خفاء؛ ثم صار شرعا عبارة عن أخذ شيء مخصوص من محل مخصوص؛ وقدر مخصوص؛ واللائق هنا إرادة اللغوي.

(هـ)؛ في السرقة؛ وكذا ابن ماجه والنسائي ؛ (عن أبي هريرة ) ؛ رمز لحسنه؛ ولعله لتقويه بتعدد طرقه؛ وإلا ففيه عمر بن أبي سلمة ؛ قال النسائي : غير قوي؛ وفي المنار: سنده ضعيف.



الخدمات العلمية