الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 233 ] ( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ( 5 ) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ( 6 ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ( 7 ) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ( 8 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( من كان يرجو لقاء الله ) قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب ، والرجاء بمعنى الخوف . وقال سعيد بن جبير - رضي الله عنه - : من كان يطمع في ثواب الله ( فإن أجل الله لآت ) يعني : ما وعد الله من الثواب والعقاب . وقال مقاتل : يعني : يوم القيامة لكائن . ومعنى الآية : أن من يخشى الله أو يأمله فليستعد له ، وليعمل لذلك اليوم . كما قال : " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا " الآية ( الكهف - 110 ( وهو السميع العليم )

                                                                                                                                                                                                                                      ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) له ثوابه ، " والجهاد " : هو الصبر على الشدة ، ويكون ذلك في الحرب ، وقد يكون على مخالفة النفس . ( إن الله لغني عن العالمين ) عن أعمالهم وعباداتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ) لنبطلنها ، يعني : حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل . والتكفير : إذهاب السيئة بالحسنة ( ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ) أي : بأحسن أعمالهم وهو الطاعة . وقيل : نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن ، كما قال : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ( الأنعام - 160 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله - عز وجل - : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) أي : برا بهما وعطفا عليهما ، معناه : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن . نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان ( الآية 15 ) ، والأحقاف ( الآية 15 ) في سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري ، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس - لما أسلم ، وكان من السابقين الأولين ، وكان بارا بأمه ، قالت له أمه : ما هذا الدين الذي أحدثت ؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه ، أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ، ويقال : يا قاتل أمه . ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم [ ص: 234 ] تستظل ، فأصبحت قد جهدت ، ثم مكثت يوما آخر لم تأكل ولم تشرب ، فجاء سعد إليها وقال : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما أيست منه أكلت وشربت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك ، فذلك قوله - عز وجل - : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) . وجاء في الحديث : " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " . ثم أوعد بالمصير إليه فقال : ( إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية