الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
843 [ ص: 231 ] حديث خامس عشر لأبي النضر ، مرسل

مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن سليمان بن يسار ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام أيام منى .

التالي السابق


لم يختلف ، عن مالك في إسناده هذا الحديث وإرساله ، وعند مالك في هذا المعنى حديثه عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة ، عن عمرو بن العاصي ، متصل مسند ، وفي هذا الباب آثار كثيرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق شتى .

فأما حديث سليمان بن يسار هذا فرواه الثوري ، عن أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن حذافة ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن سالم أبي النضر ، وعبد الله بن أبي بكر ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن حذافة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينادي في أيام التشريق : أنها أيام أكل وشرب .

قال عبد الرحمن : وقرأته على مالك ، عن أبي النضر ، عن سليمان بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام أيام منى ، قال ابن مهدي : وما أراه إلا أثبت من حديث سفيان .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال سئل يحيى بن معين ، عن حديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، وسالم أبي النضر ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن حذافة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينادي أيام التشريق : أنها أيام أكل وشرب . فقال : مرسل .

[ ص: 232 ] قال أبو عمر :

هذا - وإن كان مرسلا - فإنه حديث يتصل من غير ما وجه ، ويتصل حديث عبد الله بن حذافة من رواية ابن شهاب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة :

حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا صالح ، قال : حدثنا ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله .

أخبرنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، ومحمد بن سليمان ، قالا : حدثنا وكيع بن الجراح ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن نافع بن جبير ، عن بشر بن سحيم الغفاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب في أيام التشريق ، فقال : لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة مسلمة ، وإن هذه أيام أكل وشرب .

ورواه أبو إسحاق السبيعي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، بإسناده مثله .

وأخبرنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور ، حدثنا ابن سنجر ، حدثنا إسماعيل بن عبد المالك الربعي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن ابن كعب بن مالك ، عن أبيه كعب بن مالك ، أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان في أيام التشريق ، فنادى : لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأيام منى أيام أكل وشرب .

وروى محمد بن يحيى بن حبان ، عن أم الحارث بنت عياش بن أبي ربيعة ، أنها رأت بديل بن ورقاء يطوف على جمل على أهل المنازل بمنى يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاكم أن تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب .

[ ص: 233 ] وروى سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بديل بن ورقاء الخزاعي ، فذكر مثله ، وزاد فيه ، وقال : . . .

قال أبو عمر :

لا خلاف بين العلماء أن أيام منى هي الأيام المعدودات التي ذكر الله عز وجل في قوله ( واذكروا الله في أيام معدودات ) ، وهي أيام التشريق ، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها .

وقد ذكرنا اختلاف العلماء في أيام الذبح ، وهي الأيام المعلومات في باب يحيى بن سعيد ، وذكرنا معنى أيام التشريق في باب يزيد بن الهادي ، وأيام منى هي أيام رمي الجمار بمنى ، وهي واقعة بإجماع على الثلاثة الأيام التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر فأيام منى ثلاثة بإجماع ، وهي أيام التشريق ، وهي الأيام المعدودات ، فقف على ذلك ، ومما يدلك على أنها ثلاثة : قول العرجي :


ما نلتقي إلا ثلاث منى حتى يفرق بيننا النفر

وقال عروة بن أذينة :


نزلوا ثلاث منى بمنزل غبطة وهم على سفر لعمرك ما همو

وقال كثير بن عبد الرحمن :


تفرق أهواء الحجيج على منى وفرقهم صرف النوى مثنى أربع

[ ص: 234 ] قال أبو عمر :

من تعجل من الحاج في يومين من أيام منى ، صار مقامه بمنى ثلاثة أيام بيوم النحر ، ومن لم ينفر منها إلا في آخر اليوم الثالث ، حصل له بمنى مقام أربعة أيام من أجل يوم النحر ، والتعجيل لا يكون أبدا إلا في آخر النهار ، وكذلك اليوم الثالث ; لأن الرمي في تلك الأيام إنما وقته بعد الزوال ، ومنى اسم لذلك الموضع يذكر عند أهل اللغة ويؤنث .

قال ابن الأنباري : هو مشتق من منيت الدم إذا أصبته ، قال : وقال أبو هفان يقال : هو منى ، وهي منى ، فمن ذكره ذهب إلى المكان ، ومن أنثه ذهب إلى البقعة ، وتكتب في الوجهين جميعا بالياء ، وأنشد في تذكيره لبعض بني جمح :


سقى منى ، ثم رواه وساكنه ومن نوى فيه واهي الودق منبعق

وأنشد في تأنيثها للعرجي :


ليومنا بمنى إذ نحن ننزلها أشد من يومنا بالعرج أو ملل

وروى ابن جريج ، عن عطاء ، قال : حد منى رأس العقبة مما يلي منى إلى المنحر ، قال ابن جريج : حد منى إذا هبطت من وادي محسر فأصعدت في بطن المسيل ، فأنت في منى إلى العقبة عند جمرة العقبة .

وأجمع العلماء على أن صيام أيام منى ، لا يجوز تطوعا ، وأنها أيام لا يتطوع أحد بصيامهن .

وقد روي عن بعض الصحابة وبعض التابعين جواز صيامها تطوعا على ما ذكرنا عنهم في مراسيل ابن شهاب ، وذلك لا يصح ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن صيامها ، ولم يختلفوا أنها لا يتطوع أحد بصيامها ، واختلفوا في [ ص: 235 ] صيامها للمتمتع إذا لم يجد هديا ، لقول الله عز وجل ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) وهي من أيام الحج ، فمنهم من أجاز له صيامها إذا لم يصم قبل يوم النحر ، ومنهم من لم يجز له ذلك ; لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها وحمل النهي في ذلك على العموم ، وجعلها كيوم الفطر ويوم النحر في تحريم الصيام ، وقد أوضحنا اختلافهم في صيام أيام منى في باب يزيد بن الهادي ، وباب مرسل ابن شهاب ، والحمد لله .




الخدمات العلمية