الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم نحشرهم كلام مستأنف مسوق لبيان بعض آخر من أحوالهم الفظيعة، وتأخيره في الذكر مع تقدمه في الوجود على بعض أحوالهم المحكية سابقا للإيذان باستقلال كل من السابق واللاحق بالاعتبار، ولو روعي الترتيب الخارجي لعد الكل شيئا واحدا، كما مر في قصة البقرة، ولذلك فصل عما قبله، و(يوم) منصوب على المفعولية بمضمر، أي: أنذرهم أو ذكرهم، وضمير (نحشرهم) لكلا الفريقين الذي أحسنوا والذين كسبوا السيئات؛ لأنه المتبادر من قوله تعالى: جميعا ومن إفراد الفريق الثاني بالذكر في قوله تعالى: ثم نقول للذين أشركوا أي: نقول للمشركين من بينهم، ولأن توبيخهم وتهديدهم على رءوس الأشهاد أفظع، والإخبار بحشر الكل في تهويل اليوم أدخل، وتخصيص وصف إشراكهم بالذكر في حيز الصلة من بين سائر ما اكتسبوه من السيئات لابتناء التوبيخ والتقريع عليه مع ما فيه من الإيذان بكونه معظم جناياتهم وعمدة سيئاتهم، وقيل للفريق الثاني خاصة فيكون وضع الموصول موضع الضمير لما ذكر آنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      مكانكم نصب على أنه في الأصل ظرف لفعل أقيم مقامه، لا على أنه اسم فعل وحركته حركة بناء، كما هو رأي الفارسي، أي: الزموه حتى تنظروا ما يفعل بكم أنتم تأكيد للضمير المنتقل إليه من عامله لسده مسده وشركاؤكم عطف عليه، وقرئ بالنصب على أن الواو بمعنى مع فزيلنا من (زلت) الشيء عن مكانه أزيله، أي: أزلته، والتضعيف للتكثير لا للتعدية، وقرئ (فزايلنا) بمعناه، نحو: كلمته وكالمته، وهو معطوف على (نقول) وإيثار صيغة الماضي للدلالة على التحقق الموروث لزيادة التوبيخ والتحسير، والفاء للدلالة على وقوع التزييل ومبادئه عقيب الخطاب من غير مهلة إيذانا [ ص: 140 ] بكمال رخاوة ما بين الفريقين من العلاقة والوصلة، أي: ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم والوصل التي كانت بينهم في الدنيا، لكن لا من الجانبين، بل من جانب العبدة فقط لعدم احتمال شمول الشركاء للشياطين - كما سيجيء - فخابت آمالهم وانصرمت عرى أطماعهم، وحصل لهم اليأس الكلي من حصول ما كانوا يرجونه من جهتهم، والحال - وإن كانت معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب - لكن هذه المرتبة من اليقين إنما حصلت عند المشاهدة والمشافهة، وقيل: المراد بالتزييل التفريق الحسي، أي: فباعدنا بينهم بعد الجمع في الموقف وتبرؤ شركائهم منهم ومن عبادتهم،كما في قوله: أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا فالواو حينئذ في قوله تعالى: وقال شركاؤهم حالية بتقدير كلمة (قد) عند من يشترطها وبدونه عند غيره لا عاطفة كما في التفسير الأول، لاستدعاء المحاورة المحاضرة الفائتة بالمباعدة، وليس في ترتيب التزييل بهذا المعنى على الأمر بلزوم المكان ما في ترتيبه عليه بالمعنى الأول من النكتة المذكورة، ليصار لأجل رعايتها إلى تغيير الترتيب الخارجي، فإن المباعدة بعد المحاورة حتما، وأما قطع الأقران والعلائق فليس كذلك، بل ابتداؤه حاصل من حين الحشر، بل بعض مراتبه حاصل قبله أيضا، وإنما الحاصل عند المحاورة أقصاها كما أشير إليه فلا اعتداد بما في تقديمه من التغيير، لا سيما مع رعاية ما ذكر من النكتة، ولو سلم تأخر جميع مراتبه عن المحاورة فمراعاة تلك النكتة كافية في استدعاء تقديمه عليها، ويجوز أن تكون حالية على هذا التقدير أيضا، والمراد بالشركاء – قيل -: الملائكة وعزير والمسيح، وغيرهم ممن عبدوه من أولي العلم، ففيه تأييد لرجوع الضمير إلى الكل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقولهم: ما كنتم إيانا تعبدون عبارة عن تبرئهم من عبادتهم، وأنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم وشياطينهم الذين أغووهم؛ لأنها الآمرة لهم بالإشراك دونهم، كقولهم: سبحانك أنت ولينا من دونهم ... الآية، وقيل: الأصنام ينطقها الله الذي أنطق كل شيء فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي كانوا يتوقعونها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية