الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( أما ) العدم من حيث الصورة والمعنى فهو أن يكون الماء بعيدا ، عنه ولم يذكر حد البعد في ظاهر الرواية .

                                                                                                                                وروي عن محمد أنه قدره بالميل ، وهو أن يكون ميلا فصاعدا ، فإن كان أقل من ميل لم يجز التيمم ، والميل ثلث فرسخ وقال الحسن بن زياد : من تلقاء نفسه إن كان الماء أمامه يعتبر ميلين ، وإن كان يمنة ، أو يسرة يعتبر ميلا واحدا وبعضهم فصل بين المقيم ، والمسافر ، فقالوا : إن كان مقيما يعتبر قدر ميل كيفما كان ، وإن كان مسافرا ، والماء على يمينه أو يساره فكذلك ، وإن كان أمامه يعتبر ميلين .

                                                                                                                                وروي عن [ ص: 47 ] أبي يوسف أنه إن كان الماء بحيث لو ذهب إليه لا تنقطع عنه جلبة العير ، ويحس أصواتهم ، أو أصوات الدواب فهو قريب ، وإن كان يغيب عنه ذلك فهو بعيد وقال بعضهم : إن كان بحيث يسمع أصوات أهل الماء فهو قريب ، وإن كان لا يسمع فهو بعيد ، وكذا ذكر الكرخي وقال بعضهم : قدر فرسخ .

                                                                                                                                وقال بعضهم : مقدار ما لا يسمع الأذان وقال بعضهم : إذا خرج من المصر مقدار ما لا يسمع لو نودي من أقصى المصر فهو بعيد ، وأقرب الأقاويل اعتبار الميل ; لأن الجواز لدفع الحرج .

                                                                                                                                وإليه وقعت الإشارة في آية التيمم ، وهو قوله تعالى على أثر الآية ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم ولا حرج فيما دون الميل فأما الميل فصاعدا ، فلا يخلو عن حرج ، وسواء خرج من المصر للسفر ، أو لأمر آخر .

                                                                                                                                وقال بعض الناس : " لا يتيمم إلا أن يكون قصد سفرا " وأنه ليس بسديد ، لأن ما له ثبت الجواز ، وهو دفع الحرج لا يفصل بين المسافر ، وغيره ، هذا إذا كان علم ببعد الماء بيقين ، أو بغلبة الرأي أو أكبر الظن ، أو أخبره بذلك رجل عدل .

                                                                                                                                وأما إذا علم أن الماء قريب منه إما قطعا أو ظاهرا ، أو أخبره عدل بذلك لا يجوز له التيمم ; لأن شرط جواز التيمم لم يوجد ، وهو عدم الماء ، ولكن يجب عليه الطلب .

                                                                                                                                هكذا روي عن محمد أنه قال إذا كان الماء على ميل فصاعدا لم يلزمه طلبه ، وإن كان أقل من ميل أتيت الماء ، وإن طلعت الشمس .

                                                                                                                                هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة ولا يبلغ بالطلب ميلا ، وروي عن محمد أنه يبلغ به ميلا ، فإن طلب أقل من ذلك لم يجز التيمم ، وإن خاف فوت الوقت ، ، وهو رواية عن أبي حنيفة ، والأصح أنه يطلب قدر ما لا يضر بنفسه ، ورفقته بالانتظار ، وكذلك إذا كان بقرب من العمران يجب عليه الطلب ، حتى لو تيمم وصلى ثم ظهر الماء لم تجز صلاته لأن العمران لا يخلو عن الماء ظاهرا ، وغالبا ، والظاهر ملحق بالمتيقن ، وفي الأحكام ولو كان بحضرته رجل يسأله عن قرب الماء فلم يسأله ، حتى تيمم وصلى ، ثم سأله فإن لم يخبره بقرب الماء فصلاته ماضية ، وإن أخبره بقرب الماء توضأ ، وأعاد الصلاة ; لأنه تبين أن الماء بقرب منه ولو سأله لأخبره فلم يوجد الشرط ، وهو عدم الماء ، وإن سأله في الابتداء فلم يخبره ، حتى تيمم ، وصلى ثم أخبره بقرب الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة ; لأن المتعنت لا قول له ، فإن لم يكن بحضرته أحد يخبره بقرب الماء ولا غلب على ظنه أيضا قرب الماء لا يجب عليه الطلب عندنا وقال الشافعي : يجب عليه أن يطلب عن يمين الطريق ، ويساره قدر غلوة ، حتى لو تيمم ، وصلى قبل الطلب ، ثم ظهر أن الماء قريب منه فصلاته ماضية عندنا ، وعنده لم تجز ، واحتج بقوله تعالى { فلم تجدوا ماء } وهذا يقتضي سابقية الطلب ، فكان الطلب شرطا ، وصار كما لو كان في العمران .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الشرط عدم الماء وقد تحقق من حيث الظاهر ، إذ المفازة مكان عدم الماء غالبا بخلاف العمران .

                                                                                                                                وقوله : " الوجود يقتضي سابقية الطلب من الواجد " ممنوع ، ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم { من وجد لقطة فليعرفها } ولا طلب من الملتقط ; ولأن الطلب لا يفيد إذا لم يكن على طمع من وجود الماء ، والكلام فيه ، ، وربما ينقطع عن أصحابه فيلحقه الضرر ، فلا يجب عليه الطلب ولكن يستحب له ذلك إذا كان على طمع من وجود الماء ، فإن أبا يوسف قال في الأمالي : سألت أبا حنيفة عن المسافر لا يجد الماء أيطلب عن يمين الطريق ، ويساره ؟ قال : إن طمع في ذلك فليفعل ولا يبعد فيضر بأصحابه إن انتظروه أو بنفسه إن انقطع عنهم ، ثم ما ذكرنا من اعتبار البعد ، والقرب مذهب أصحابنا الثلاثة فأما على مذهب زفر فلا عبرة للبعد ، والقرب في هذا الباب بل العبرة للوقت بقاء ، وخروجا ، فإن كان يصل إلى الماء قبل خروج الوقت لا يجزيه التيمم ، وإن كان الماء بعيدا ، وإن كان لا يصل إليه قبل خروج الوقت يجزئه التيمم ، وإن كان الماء قريبا ، والمسألة نذكرها بعد شاء الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية