الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : إذا اختلف الزوجان في الوطء ، فالقول قول نافيه عملا بأصل العدم إلا في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                        إحداها : إذا ادعت عنته فقال : أصبتها ، فالقول قوله بيمينه ، سواء كان ذلك قبل المدة أم بعدها ، وسواء كان خصيا أو مقطوع بعض الذكر ، إذا كان الباقي بحيث يمكن الجماع به ، أو ، ادعت عجزه . وقيل : في الخصي والمقطوع ، [ ص: 202 ] فالقول قولها بيمينها ; لأن ذلك يقوي جانبها ، والصحيح الأول . ولو اختلفا في القدر الباقي ، هل يمكن الجماع به ؟ قال الأكثرون : فالقول قولها . وقال صاحب الشامل : ينبغي أن يرى أهل الخبرة ليعرفوا قدره ، ويخبروا عن الحال ، كما لو ادعت أنه مجبوب فأنكر ، قال المتولي : وهذا هو الأصح . ولو ادعت عجزه بعد مضي السنة ، وادعى أنها امتنعت ، فإن كان لأحدهما بينة ، حكم بها ، وإلا ، فالقول قوله ; لأن الأصل دوام النكاح . فإذا حلف ، ضرب القاضي المدة ثانيا وأسكنهما في جوار قوم ثقات يتفقدون حالهما . فإذا مضت المدة ، اعتمد القاضي قول الثقات وجرى عليه ، كذا ذكره المتولي .

                                                                                                                                                                        الثاني : إذا طالبته في الإيلاء بالفيأة والطلاق فقال : وطئتها ، فالقول قوله استدامة للنكاح . ولو قالت في هذين الموضعين : أنا بكر ، فوجهان . أحدهما وهو ظاهر النص : إن شهد أربع نسوة ببكارتها ، حكم بعدم الإصابة من غير تحليفها ، فلو قال بعد شهادتهن : أصبتها ولم أبالغ ، فعادت البكارة وطلب يمينها ، سمعت دعواه وحلفت . وإن لم يدع شيئا ، لم تحلف . والثاني وبه قال أبو علي في الإفصاح وابن القطان وابن كج ، والإمام والغزالي وغيرهم : تحلف الزوجة مع البينة على قيام البكارة ; لأن البكارة وإن كانت موجودة ، فاحتمال الزوال والعود قائم ، وإن لم يدع الزوج ، فلا بد من الاحتياط . ثم إذا حلفت بعد دعواه أو دونها [ حلفت ] على أنه لم يصبها ، أو على أن بكارتها هي البكارة الأصلية ، ولها حق الفسخ بعد يمينها . وإن نكلت ، حلف الزوج وبطل الخيار . وإن نكل الزوج أيضا ، فوجهان . أصحهما : لها الفسخ ويكون نكوله كحلفها ; لأن [ ص: 203 ] الظاهر أن بكارتها هي الأصلية . والثاني : المنع ; لأن ما قاله محتمل ، والأصل دوام النكاح .

                                                                                                                                                                        الموضع الثالث : قالت ، طلقني بعد الدخول فلي كل المهر ، فقال : بل قبله فلك النصف ، فالقول قوله للأصل ، وعليها العدة مؤاخذة بقولها ، ولا نفقة ولا سكنى ، وللزوج نكاح بنتها وأختها وأربعا سواها في الحال . فلو أتت بولد لزمن محتمل ، ثبت النسب وتقوى به جانبها ، فيرجع إلى تصديقها ، وتطالب الزوج بالنصف الثاني ، ولا بد من يمينها على ما ذكره الإمام والعبادي ; لأن ثبوت النسب لا يورث يقين الوطء ، ويمكن أن يجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا ظهرت البكارة ، وهذه الصورة هي محل الاستثناء من تصديق النافي . فإن لاعن الزوج ونفى الولد ، فقد زال المرجح فتعود إلى تصديقه ، ويستمر الأمر على ما سبق .

                                                                                                                                                                        وحيث قلنا : القول قول نافي الإصابة ، فذلك إذا لم يوافق على جريان خلوه ، فإن وافق ، فقولان . أظهرهما : أن الحكم كذلك ، والثاني : تصديق المثبت . فعلى هذا : تضم هذه الصورة إلى مواضع الاستثناء من تصديق النافي وتصير أربعة ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        قلت : عجب قول الإمام الرافعي رحمه الله : فيما إذا أتت بولد لزمن محتمل أنها المصدقة ويمكن أن يجيء فيه الخلاف ، والمسألة مشهورة ، ففي المهذب والتنبيه وغيرهما من الكتب المشهورة ، في المسألة قولان ، في أن القول قولها ، أم قوله ; لأن النسب يثبت بالإمكان ، ولأنه قد يولج بعض الحشفة أو يباشر فيما قارب الفرج فيدخل المني فيلحق النسب ولا وطء . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية