الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا زكاة في اللآلئ والجواهر ) وإن ساوت ألفا اتفاقا ( إلا أن تكون للتجارة ) والأصل أن ما عدا الحجرين والسوائم إنما يزكى بنية التجارة بشرط عدم المانع المؤدي إلى الثنى وشرط مقارنتها لعقد التجارة [ ص: 274 ] وهو كسب المال بالمال بعقد شراء أو إجارة أو استقراض . ولو نوى التجارة بعد العقد أو اشترى شيئا للقنية ناويا أنه إن وجد ربحا باعه لا زكاة عليه كما لو نوى التجارة فيما خرج من أرضه كما مر ; وكما لو شرى أرضا خراجية ناويا التجارة أو عشرية وزرعها أو بذرا للتجارة وزرعه لا يكون للتجارة لقيام المانع

التالي السابق


( قوله والجواهر ) كاللؤلؤ والياقوت والزمرد وأمثالها درر عن الكافي ( قوله وإن ساوت ألفا ) في نسخة ألوفا ( قوله ما عدا الحجرين ) هذا علم بالغلبة على الذهب والفضة ط وقوله : والسوائم بالنصب عطفا على الحجرين وما عدا ما ذكر كالجواهر والعقارات والمواشي العلوفة والعبيد والثياب والأمتعة ونحو ذلك من العروض ( قوله : المؤدي إلى الثنى ) هذا وصف في معنى العلة : أي لا زكاة فيما نواه للتجارة من نحو أرض عشرية أو خراجية لئلا يؤدي إلى تكرار الزكاة لأن العشر أو الخراج زكاة أيضا والثنى بكسر الثاء المثلثة وفتح النون في آخره ألف مقصورة : وهو أخذ الصدقة مرتين في عام كما في القاموس ومنه كما في المغرب قوله صلى الله عليه وسلم { لا ثنى في الصدقة } ( قوله وشرط مقارنتها ) بالجر عطفا على شرط الأول ، ومن المقارنة ما ورثه ناويا لها ثم تصرف فيه ناويا أيضا لأن المعتبر هو النية المقارنة للتصرف بالبيع [ ص: 274 ] مثلا كما مر فيكون بدله الذي نوى به التجارة مقارنا لعقد الشراء فافهم .

( قوله : أو إجارة ) كأن أجر داره بعروض ناويا بها التجارة ، ولو كانت الدار للتجارة يصير بدلها للتجارة بلا نية لوجود التجارة دلالة كما مر ، وفيه خلاف قدمناه ( قوله : أو استقراض ) لأن القرض ينقلب معاوضة المال بالمال في العاقبة ، وهذا قول بعض المشايخ وإليه أشار في الجامع أن من كان له مائتا درهم لا مال له غيرها فاستقرض من رجل قبل حولان الحول خمسة أقفزة لغير التجارة ، ولم يستهلك الأقفزة حتى حال الحول لا زكاة عليه ويصرف الدين إلى مال الزكاة دون الجنس الذي ليس بمال الزكاة ، فقوله لغير التجارة دليل أنه لو استقرض للتجارة يصير لها . وقال بعضهم : لا وإن نوى لأن القرض إعارة وهو تبرع لا تجارة بدائع . وعلى الأول مشى في البحر والنهر والمنح وتبعهم الشارح ، لكن ذكر في الذخيرة عن شرح الجامع لشيخ الإسلام أن الأصح الثاني ، وأن معنى قول محمد في الجامع لغير التجارة أنها كانت عند المقرض لغير التجارة ، وفائدته أنها إذا ردت عليه عادت لغير التجارة وأنها لو كانت عنده للتجارة فردت عليه عادت للتجارة ا هـ .

والظاهر أن الثاني مبني على قول أبي يوسف إن المستقرض لا يملك ما استقرضه إلا بالتصرف . وعندهما يملكه بالقبض ، حتى لو كان قائما في يده فباعه من المقرض يصح عنده لا عندهما ، ولو باعه من أجنبي يصح اتفاقا كما سيأتي تحريره في بابه إن شاء الله - تعالى ، وعلى قولهما فالوجه للأول تأمل . لا يقال : يشكل الأول بأن المستقرض صار مديونا بنظير ما استقرضه ، والمديون لا زكاة عليه بقدر دينه فما فائدة صحة نية التجارة فيه ؟ لأنا نقول : فائدتها ضم قيمته إلى النصاب الذي معه لما سيأتي من أن قيمة عروض التجارة تضم إلى النقدين ، فإذا كان له مائتا درهم فقط واستقرض خمسة أقفزة للتجارة قيمتها خمسة دراهم مثلا كان مديونا بقدرها وبقي له نصاب تام فيزكيه ، بخلاف ما إذا لم تكن للتجارة فإنه لا زكاة عليه أصلا لأن الدين يصرف إلى مال الزكاة دون غيره كما مر فينقص نصاب الدراهم الذي معه فلا يزكيه ولا يزكي الأقفزة فافهم .

( قوله : ولو نوى إلخ ) محترز قوله : وشرط مقارنتها لعقد التجارة ح ( قوله : كما لو نوى إلخ ) خرج باشتراط عقد التجارة ، وهذا ملحق بالميراث كما مر عن النهر فلا يصح تعليله باجتماع الحقين كما قدمناه فافهم ( قوله : كما مر ) قبيل قوله : وشرط صحة أدائها ح ( قوله وكما لو شرى إلخ ) محترز قوله بشرط عدم المانع إلخ ( قوله : وزرعها ) قيد للعشرية لتعلق العشر بالخارج ، بخلاف الخراج إلا إذا كان خراج مقاسمة لا موظفا . ومفهومه أنه إذا لم يزرعها تجب زكاة التجارة فيها لعدم وجوب العشر فلم يوجد المانع ، أما الخراجية فالمانع موجود ، وهو الثنى ، وإن عطلت ( قوله لقيام المانع ) وهو الثنى . ومفاد التعليل أنه لو زرع البذر في أرضه المملوكة تجب فيه الزكاة . ويخالفه ما في البحر حيث قال في باب زكاة المال : لو اشترى بذرا للتجارة وزرعه فإنه لا زكاة فيه وإنما فيه العشر لأن بذره في الأرض أبطل كونه للتجارة فكان ذلك كنية الخدمة في عبد التجارة بل أولى ، ولو لم يزرعه تجب ا هـ فإن مفاده سقوط الزكاة عن البذر بالزراعة مطلقا أفاده ط .

[ تنبيه ]

ما ذكره الشارح من عدم وجوب الزكاة في الأرض العشرية للتجارة ، وإنما فيها العشر أو الخراج [ ص: 275 ] للمانع المذكور . قال في البدائع : هو الرواية المشهورة عن أصحابنا . وعن محمد أنه تجب الزكاة أيضا لأن زكاة التجارة تجب في الأرض والعشر يجب في الخارج وهما مختلفان ، فلا يجتمع الحقان في مال واحد . ووجه ظاهر الرواية أن سبب الوجوب في الكل واحد لأنه يضاف إليها فيقال : عشر الأرض وخراجها وزكاتها والكل حق الله - تعالى وحقوقه - تعالى - المتعلقة بالأموال النامية لا يجب فيها حقان منها بسبب مال واحد كزكاة السائمة مع التجارة ا هـ فافهم .




الخدمات العلمية