الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ المسألة ] الثالثة : حدث في الصداق نقص في يد الزوج ، فهو نقص جزء أو صفة ، فنقص الجزء مثل أن أصدقها عبدين ، فتلف أحدهما في يده ، فينفسخ عقد الصداق فيه ، ولا ينفسخ في الباقي على المذهب ، لكن لها الخيار . فإن فسخت ، رجعت إلى مهر المثل على قول ضمان العقد ، وعلى [ ص: 252 ] ضمان اليد تأخذ قيمة العبدين . وإن أجازت في الباقي ، رجعت للتالف إلى حصة قيمته من مهر المثل على قول ضمان العقد ، وإلى قيمة التالف على ضمان اليد . وإن تلف أحد العبدين بإتلاف ، نظر ، إن أتلفته المرأة ، جعلت قابضة لقسطه من الصداق . وإن أتلفه أجنبي ، فلها الخيار . فإن فسخت أخذت الباقي ، وقسط قيمة التالف من مهر المثل إن قلنا بضمان العقد ، وقيمته إن قلنا بضمان اليد . وإن أجازت ، أخذت من الأجنبي الضمان . وإن أتلفه الزوج ، فهو كالتلف بآفة على المذهب . وأما نقص الصفة ، فهو العيب ، كعمى العبد أو نسيانه الحرفة ونحوهما ، وللمرأة الخيار . وفي " الوسيط " أن أبا حفص بن الوكيل قال : لا خيار على قول ضمان العقد ، والمذهب الأول . فإن فسخت الصداق ، أخذت من الزوج مهر المثل على الأظهر ، وبذل الصداق في القول الآخر . وإن أجازت ، فعلى الأظهر : لا شيء لها كما لو رضي المشتري بعيب المبيع ، وعلى ضمان اليد لها عليه أرش النقص . وإن اطلعت على عيب قديم ، فلها الخيار ، [ فإن ] فسخت رجعت إلى مهر المثل أو إلى قيمة العين سالمة .

                                                                                                                                                                        وإن أجازت وقلنا بضمان اليد ، فلها الأرش على المذهب ، وفيه تردد للقاضي حسين ; لأنها رضيت بالعين . وإن حصل التعييب بجناية ، نظر ، إن حصل بفعل الزوجة ، جعلت قابضة لقدر النقص ، وتأخذ الباقي ولا خيار . وإن هلك بعد التعييب في يد الزوج ، فلها من مهر المثل حصة قيمة الباقي على الأظهر ، وقيمة الباقي على القول الثاني . وإن [ ص: 253 ] حصل التعييب بفعل أجنبي ، فلها الخيار ، فإن فسخت ، أخذت مهر المثل على الأظهر وقيمته سليما في الثاني ، ويأخذ الزوج الغرم من الجاني . وإن أجازت ، غرمت للجاني . وليس لها مطالبة الزوج إن قلنا بضمان العقد . وإن قلنا بضمان اليد ، فلها مطالبته ، فينظر إن لم يكن للجناية أرش مقدر ، أو كان أرش النقص أكثر ، رجعت على من شاءت منهما ، والقرار على الجاني . وإن كان المقدر أقل ، طالبت بالمقدر من شاءت منهما ، والقرار على الجاني ، وأخذت قيمة الأرش من الزوج . وإن حصل التعييب بجناية الزوج ، فعلى الخلاف في أن جناية البائع كآفة أو كجناية أجنبي ؟ إن قلنا بالأول ، وقلنا بضمان اليد ، فعليه ضمان ما نقص .

                                                                                                                                                                        فإن كان للجناية أرش مقدر ، كقطع اليد ، فعليه أكثر الأمرين من نصف القيمة وأرش النقص .

                                                                                                                                                                        فرعان

                                                                                                                                                                        الأول : أصدقها دارا فانهدمت في يده ولم يتلف من النقص شيء ، فالحاصل نقصان صفة . وإن تلف بعضه أو كله باحتراق أو غيره ، فالحاصل هل هو نقصان نصفه كطرف العبد أم [ نقصان ] جزء كأحد العبدين ؟ وجهان . أصحهما : الثاني . وقد سبقا في البيع .

                                                                                                                                                                        الثاني : أصدقها نخلا ثم جعل ثمره في قارورة ، وصب عليه صقرا من ذلك النخل وهو بعد في يده ، والصقر : هو السائل من الرطب من غير أن يعرض [ ص: 254 ] على النار . فإما أن تكون الثمرة صداقا مع النخل ، بأن أصدقها نخلة مطلعة . وإما أن لا تكون .

                                                                                                                                                                        الحالة الأولى : إذا كانت صداقا ، ينظر إن لم يدخل الثمرة والصقر نقص لا بتقدير النزع من القارورة ، ولا بتقدير الترك فيها ، فتأخذهما المرأة ولا خيار لها ، بل الزوج كفاها مؤنة الجداد . وإن حدث فيهما أو في أحدهما نقص ، فهو إما نقص عين ، وإما نقص صفة . أما نقص العين ، فمثل أن صب عليها مكيلتين من الصقر فشرب الرطب مكيلة ، فلا يجبر نقص عين الصقر بزيادة قيمة الرطب ، ثم إن جعلنا الصداق مضمونا ضمان عقد ، انفسخ الصداق في قدر ما ذهب من الصقر إن قلنا : جناية كالآفة وهو المذهب ، ولا ينفسخ في الباقي ، ولها الخيار . إن فسخت ، رجعت إلى مهر المثل ، وإن أجازت في الباقي أخذت بقدر ما ذهب من الصقر من مهر المثل . وإن قلنا : جناية كجناية الأجنبي ، لم ينفسخ الصداق في شيء ، ولها الخيار ، إن فسخت ، فلها مهر المثل ، وإن أجازت ، أخذت النخل والرطب ، ومثل ما ذهب من الصقر .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا بضمان اليد ، تخيرت أيضا . فإن فسخت ، فلها قيمة النخل مثل الصقر وقيمة الرطب أو مثله على الخلاف المذكور في " كتاب الغصب " أنه مثلي أو متقوم . وإن أرادت أخذ النخل ورد الثمرة ، فعلى الخلاف في تفريق الصفقة . وإن أجازت ، فلها ما بقي ومثل الذاهب من الصقر .

                                                                                                                                                                        وأما نقصان الصفة ، فإذا نقصت قيمة الصقر والمكيلتان بحالهما ، أو قيمة الرطب ، فإن كان النقصان حاصلا ، سواء ترك الرطب في القارورة أو نزع ، فلها الخيار . فإن فسخت ، فعلى قول ضمان العقد لها مهر المثل ، وعلى ضمان اليد لها بدل النخل والرطب والصقر . وإن أجازت ، فإن قلنا بضمان العقد وجعلنا جنايته كالآفة ، أخذتها بلا أرش . وإن جعلناها كجناية الأجنبي ، أو قلنا بضمان اليد ، فعليه أرش النقصان وإن كان الرطب يتعيب لو نزع من القارورة . ولو [ ص: 255 ] ترك لا يتعيب ، فلا يجبر الزوج على التبرع بالقارورة ، لكن إن تبرع بها أجبرت المرأة على القبول إمضاء للعقد ، ويسقط خيارها . وقيل : لا تجبر على القبول ، والصحيح الأول . وهل يملك القارورة حتى لا يتمكن الزوج من الرجوع ؟ وإذا نزعت ما فيها لم يجب رد القارورة ، أم لا تملك وإنما الغرض قطع الخصومة فيتمكن من الرجوع وإذا رجع يعود خيارها فيجب رد القارورة إذا نزعت ما فيها ؟ فيه وجهان كما ذكرنا في البيع في مسألة النعل والأحجار المدفونة . وإن كان الرطب لا يتعيب بالنزع ، ويتعيب بالترك ، فلها مطالبته بالنزع ، ولا خيار . ولو تبرع هو بالقارورة ، لم تجبر هي على القبول ; لأنه لا ضرورة إليه .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : أن لا تكون الثمار صداقا بأن حدثت بعد الإصداق في يد الزوج . فإن لم يحدث نقص أو زادت القيمة ، فالكل لها . وإن حدث نقص فيهما أو في أحدهما ، فلا خيار لها ; لأن ما حدث فيه النقص ليس بصداق ، ولها الأرش . وحكى ابن كج وجها أن لها الخيار وهو غلط . وإن كان النقص بحيث لا يقف ويزداد إلى الفساد ، فهل تأخذ الحاصل وأرش النقص ، أم تتخير بينه وبين أن تطالبه بغرم الجميع ؟ فيه خلاف سبق في " الغصب " ، فيما إذا بل الحنطة فعفنت . وفي " العدة " أنها على القول الأول ، تأخذ أرش النقص في الحال ، وكلما ازداد النقص ، طالبت بالأرش . ولو كان الرطب يتعيب بالنزع من القارورة ، ولا يتعيب بالترك فتبرع الزوج بالقارورة لم تجبر على القبول ; لأنه لا حاجة إليه في إمضاء العقد هنا ، هذا كله إذا كان الصقر من ثمرة النخلة ، أما إذا كان الصقر للزوج والثمرة من الصداق ، فالنظر هناك إلى نقصان الرطب وحده ، إن نقص فلها [ ص: 256 ] الخيار . وإن لم ينقص بالنزع ، فلا خيار ، فتأخذ المرأة الرطب والزوج الصقر ، ولا شيء لما تشربه الرطب . وإن كان ينقص بالنزع ، فلها الخيار . فإن تبرع الزوج بالصقر والقارورة ، سقط الخيار ولزم القبول على الصحيح ، ويجيء فيه ما سبق في التبرع بالقارورة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا زاد الصداق في يد الزوج ، إن كان زيادة متصلة ، كالسمن والكبر ، وتعلم الصنعة ، فهي تابعة للأصل . وإن كانت منفصلة ، كالثمرة والولد وكسب الرقيق ، قال المتولي : إن قلنا بضمان اليد ، فهي للمرأة ، وإلا ، فوجهان كالوجهين في زوائد المبيع قبل القبض . والصحيح أنها للمشتري في البيع وللمرأة هنا . فإن قلنا : للمرأة فهلكت في يده ، أو زالت المتصلة بعد حصولها ، ولا ضمان على الزوج إلا إذا قلنا بضمان اليد وقلنا : يضمن ضمان المغصوب ، وإلا إذا طالبته بالتسليم فامتنع . وفي التهذيب وغيره ما يشعر بتخصيص الوجهين ، في أن الزوائد لمن هي بما إذا هلك الأصل في يد الزوج وبقيت الزوائد أو ردت الأصل بعيب ، أما إذا استمر العقد وقبضت الأصل ، فالزوائد لها قطعا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية