الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ الحلف بغير الله ]


      ومنه إقسام بغير الباري كما أتى في محكم الأخبار

      أي ومن الشرك الأصغر الذي لا يخرج من الملة ( إقسام ) مصدر ( أقسم ) ; أي الحلف ( بغير الباري ) كالحلف بالآباء والأمهات والأبناء والأمانة وغير ذلك ، كما في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه فقال : " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " . وفي رواية قال عمر : فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرا ولا آثرا . متفق عليه .

      ولأبي داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " . ولأحمد ومسلم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " . وللنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " .

      وسمع ابن عمر رضي الله [ ص: 496 ] عنهما رجلا يقول : لا والكعبة . فقال ابن عمر : لا تحلف بغير الله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " . أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه . وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من حلف بالأمانة " . رواه أبو داود . وفي الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يحلف بالأمانة فقال : " ألست الذي يحلف بالأمانة ؟ " .

      وعن قتيلة بنت صفي أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تنددون وإنكم تشركون ، تقولون ما شاء الله وشئت ، وتقولون والكعبة . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : " ورب الكعبة " ، ويقول أحدهم : " ما شاء الله ثم شئت " . رواه أحمد والنسائى وصححه ، وابن ماجه . وقد ثبت في كفارة الحلف بغير الله حديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله " .

      ومن الشرك الأصغر قول ما شاء الله وشئت ، كما روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شاء الله وشئت . فقال : " أجعلتني لله ندا ؟ ما شاء الله وحده " . ولأبي داود بسند صحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان [ ص: 497 ] ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " . وتقدم في ذلك في حديث قتيلة ، والفرق بين الواو وثم : أنه إذا عطف بالواو كان مضاهيا مشيئة الله بمشيئة العبد إذ قرن بينهما ، وإذا عطف بثم فقد جعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل ، كما قال تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) ( الإنسان : 30 ) ومثله قول : لولا الله وفلان . هذا من الشرك الأصغر ، ويجوز أن يقول لولا الله ثم فلان ، ذكره إبراهيم النخعي .

      ولابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل : ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ( البقرة : 22 ) قال : الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ، وهو أن يقول : والله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص ، وقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشئت ، وقول الرجل لولا الله وفلان ، لا تجعل فيها فلانا ، هذا كله به شرك .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية