الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الرابع : فيما إذا وهبته الصداق ثم طلقها قبل الدخول ، ونصدره بقاعدتين مستمدتين من قول الله ، تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح [ البقرة : 237 ] . ومعنى الآية ، أن الطلاق قبل الدخول ينصف الصداق ، إلا أن تعفو الزوجة وتتبرع بحقها ، فيعود جميع الصداق إلى الزوج . وفيمن بيده عقدة النكاح ، قولان . القديم : أنه الولي ، والمعنى : إلا أن تعفو المرأة أو وليها إن لم تكن هي أهلا للعفو . والجديد : أنه الزوج ، والمعنى : أن يعفو الزوج عن حقه فيخلص لها جميع الصداق .

                                                                                                                                                                        القاعدة الأولى : في ألفاظ التبرع . فالواجب عند الطلاق قبل الدخول ، دين أو عين ، والدين قد يكون في ذمته ، وقد يكون في ذمتها بأن قبضته وتلف [ ص: 315 ] عندها ، فينظر ، إن تبرع مستحق الدين بإسقاطه ، نفذ بلفظ العفو والإبراء والإسقاط والترك . وحكى الحناطي وجهين في أن لفظ الترك ، صريح أو كناية ؟ ولا حاجة في هذه الألفاظ إلى قبول من عليه على الصحيح ، وينفذ أيضا بلفظ الهبة والتمليك ، وفيهما وجه حكاه ابن كج . والصحيح الأول . وهل يفتقر اللفظان إلى القبول ؟ وجهان . أصحهما : لا ، وبه قطع البغوي اعتمادا على حقيقة التصرف وهو الإسقاط . أما إذا تبرع من في ذمته بالنصف الآخر ، فالطريق أن ينقل ويملكه ويقبله صاحبه ويقبضه ، فإنه ابتداء هبة ، ولا ينتظم لفظ العفو والإبراء من جهته . لكن لو كان الصداق في ذمة الزوج ، وقلنا : لا يشترط إلا باختياره ، فقال : عفوت ، سقط اختياره كعفوه عن الشفعة ، ويبقى جميع الصداق لها في ذمته .

                                                                                                                                                                        أما إذا كان الصداق عينا ، فالتبرع فيها هبة . فإن كانت في يد المتبرع ، اشترط الإيجاب والقبول والقبض . وإن كانت في يد الآخر ، فهو هبة لمن المال في يده ، فتعتبر مدة إمكان القبض . وفي افتقاره إلى إذن جديد ، في القبض بهذه الجهة خلاف سبق في ( كتاب الرهن ) . وإن كانت العين عند الطلاق في يد الزوج ، فذلك قد يكون بعد قبضها ، وقد يكون باستمرار يده السابقة قبل الإصداق . وعلى التقدير الثاني ، يزيد النظر في أن تبرعها كهبة المبيع للبائع قبل القبض إذا قلنا : الصداق في يده مضمون ضمان العقود ، ثم التبرع في العين ينفذ بلفظ الهبة والتمليك ، ولا ينفذ بلفظ الإبراء والإسقاط على المذهب .

                                                                                                                                                                        وحكى الحناطي فيهما وجهين . وينفذ بلفظ العفو على الأصح لظاهر القرآن ، هذا في تبرعها وتبرعه [ ص: 316 ] إذا ملكناه بنصف الطلاق ، فأما إذا قلنا : له خيار التملك ، فيعتبر لفظ العفو في إسقاط الخيار ويبقى الجميع لها .

                                                                                                                                                                        القاعدة الثانية : هل للولي العفو عن صداقها ؟ قولان بناء على أن من هو الذي بيده عقدة النكاح ؟ الجديد : المنع ، والقديم : الجواز بخمسة شروط . أن يكون أبا أو جدا ، وأن تكون بكرا عاقلة صغيرة ، وأن يكون بعد الطلاق ، وأن يكون قبل الدخول ، وأن يكون الصداق دينا ، هذا هو المذهب تفريعا على القديم . وفي وجه : له العفو في الثيب والمجنونة والبالغة والمحجور عليها والرشيدة ، وقبل الطلاق إذا رآه مصلحة ، وعن العين أيضا . والصحيح الأول . ولو زوجها الأب ومات ، ففي صحة عفو الجد وجهان ; لأن الصداق لم يثبت به لكنه ولي . ولو خلعها الولي على نصف الصداق وجوزنا العفو ، صحت المخالعة ، قاله المتولي وغيره . وفي الوسيط في صحة الخلع مع صحة العفو وجهان . والأول أشبه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية