الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبي ، ثنا سهل بن عبد الله ، ثنا بعض أصحابنا ، ثنا أبو توبة ، قال : سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم ، فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به ، فقال : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ، ثم أمره بالعمل بعد ذلك ، فقال : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين ) ، وهي : شهادة أن لا إله إلا الله ، لا يغفر إلا بها ، من قالها غفر له ، قال : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ، وقال : ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) . يوحدون ، وقال : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) يقول : وحدوا ، والعلم قبل العمل ، ألا تراه قال : [ ص: 306 ] ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو ) إلى قوله : ( إلى مغفرة من ربكم وجنة ) ، وقال : ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) ، ثم قال : ( احذروهم ) بعد ، وقال : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) ، ثم أمرنا بالعمل به ، وسئل : أي النعمتين أعظم ؛ فيما أعطى ، أو فيما زوى ؟ قال : فيما زوى عنه ؛ فلم يبتله فيه ؛ وذلك لأن ما أغناه عنه أفضل مما أغناه به ، هذا إذا فضل بينهما ، فأما إذا أبصر واستسلم فالأمر واحد ، الله مستحمد فيما أعطى ، وفيما زوى ، وهو الرضا ، لا يحب إلا قضاء الله .

              وسئل عن الزهد في الدنيا ، وعن الرغبة فيها ما علمها ؟ قال : علم حب الدنيا حب البقاء فيها ، وأن لا يكون له في الأشياء غاية تقصر إرادته عليها دون انقضاء الدنيا ، وعلم الزهد حب الموت ، ألم تسمع قوله : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) ، ثم قال : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) ، فأخبر أن ذلك هو الرغبة في الدنيا .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : الفكرة نور تدخله قلبك . قال عبد الله : وحدثنا أبو حفص القرشي ، قال : كان سفيان بن عيينة دائما يتمثل :

              إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة



              قال : وبلغني عن سفيان بن عيينة قال : التفكر مفتاح الرحمة ، ألا ترى أنه يتفكر فيتوب ؟

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا الفضل بن غسان ، عن سفيان بن عيينة قال : قال علي بن أبي طالب : لا يكون الرجل قيم أهله حتى لا يبالي ما سد به فورة الجوع ، ولا يبالي أي ثوبيه ابتذل .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الله ، ثنا أبو همام ، ثنا سهل بن محمود ، قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : كان يقال : اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهلها .

              حدثنا محمد ، ثنا أبو يعلى ، قال : سمعت إسحاق يقول : قال ابن عيينة : وما الدنيا إن كنت بائعها بشربة على ظمأ . قال : وسمعت سفيان يقول : إنما دخل أهل الجنة الجنة بالصبر . قال : وسمعت سفيان يقول : قال أبو حازم : زافت لهم [ ص: 307 ] الدنيا فوثبوا عليها .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا أحمد بن علي بن المثنى ، ثنا محمد بن قدامة ، قال : سمعت سفيان يقول : ما تنعم متنعم بمثل ذكر الله . وقال داود عليه السلام : " ما أحلى ذكرك في أفواه المتعبدين ! قال : وسمعت سفيان يقول : وصف رجل رجلا فقال : كان والله - ما علمت - يخاف الله ويستحي من الناس . قال : وسمعت سفيان بن عيينة يقول : قال لقمان : خير الناس الحيي الغني . قيل : الغني في المال ؟ قال : لا ، ولكن الذي إذا احتيج إليه نفع ، وإذا استغني عنه نفع . قيل : فمن شر الناس ؟ قال : من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية