الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الرابعة : ادعت النكاح ومهر المثل ، واعترف الزوج بالنكاح وأنكر المهر ، أو سكت عنه ولم يدع التفويض ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر ، حكى [ ص: 325 ] الغزالي فيه وجهين . أحدهما وينسب إلى القاضي حسين : يثبت لها المهر إذا حلفت ؛ لأن الظاهر معها ، فإن النكاح يوجب مهر المثل إذا لم تكن تسمية صحيحة . وأصحهما عند الغزالي : أنه لا يثبت مهر مثلها بيمينها ، بل يتحالفان ؛ لأنه قد ينكحها بأقل ما يتمول ، وهذا الذي فرضه لا يكاد يتصور ، فإن التحالف أن يحلف كل واحد على إثبات ما يزعمه ، ونفي ما زعمه صاحبه .

                                                                                                                                                                        والمفروض من جهة الزوج إنكار مطلق ، فلا معنى للتحالف . ولم يذكر الروياني الخلاف هكذا ، بل قال : قال مشايخ طبرستان : القول قول الزوج وعليها البينة ، والحق أنه لا يسمع إنكاره لاعترافه بما يقتضي المهر ، ولكن يكلف البيان .

                                                                                                                                                                        فإن ذكر قدرا وادعت زيادة ، تحالفا . وإن أصر على الإنكار ، ردت اليمين عليها وقضي لها بها . قال الروياني : ورأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون بهذا ، وهو القديم .

                                                                                                                                                                        ولو ادعت زوجية ومهرا مسمى يساوي مهر المثل ، وقال الزوج : لا أدري ، أو سكت ، قال الإمام : ظاهر ما ذكره القاضي ، أن القول قولها لما سبق أن النكاح اقتضى مهر المثل .

                                                                                                                                                                        قال : والذي يقتضيه قياس المذهب ، أن دعواها متوجهة بذلك القدر ، ولا يسمع منه التردد ، بل يحلف على نفي ما تدعيه . فإن نكل ، ردت اليمين عليها وقضي بيمينها .

                                                                                                                                                                        ثم حكي عن القاضي على قياس الوجه المنسوب إليه ، أنه لو قال : هذا ابني من فلانة ، استحقت عليه مهر المثل إذا حلفت ؛ لأنه إقرار بالوطء ظاهرا ؛ لأن استدخال الماء بعيد ، والوطء المحرم [ هو ] الذي يحصل منه الولد النسيب ظاهرا ، وهو يقتضي المهر .

                                                                                                                                                                        وقياس ظاهر المذهب ، أنه يؤمر بالبيان إذا أنكر ما ادعته . فإن أصر على الإنكار ، ردت اليمين عليها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 326 ] فرع

                                                                                                                                                                        قال المتولي : لو مات الزوج وادعت على الوارث أن الزوج سمى لها ألفا ، فقال الوارث : لا أعلم كم سمى ، لم يتحالفا ، بل يحلف الوارث على نفي العلم . فإذا حلف ، قضي لها بمهر المثل .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي ذكره المتولي حكاه الإمام عن القاضي حسين ، ثم قال : هو مشكل على قياس المذهب ، قال : والقياس أن يحكم بانقطاع الخصومة ، يحلف الوارث ، والقدر الثابت على قطع هو أقل ما يتمول ، والمختار بل الصواب قول المتولي والقاضي ، وقد نص عليه قبلهما القفال شيخ طريقة خراسان ، وقد حكاه عنه الرافعي في الباب الثاني من " الدعوى والبينات " ، ولم يذكر فيه خلافا ، ولم أر لأحد من الأصحاب خلافا ، ودليله أن تعذر معرفة المسمى ، كعدمه من أصله ، ولهذا نوجب مهر المثل في التحالف وإن كان هناك مسمى زائد أو ناقص . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الخامسة : اختلف الزوج وولي الصغيرة أو المجنونة ، فقال الولي : زوجتكها بألفين ، فقال : بل بألف . فوجهان . أصحهما عند الأصحاب : يتحالفان .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا ، فعلى هذا توقف إلى بلوغها فيتحالفان ، ويجوز أن يحلف الزوج ، ويوقف يمينها إلى بلوغها .

                                                                                                                                                                        وإذ قلنا : يحلف الولي ، فذلك إذا ادعى زيادة على مهر المثل ، والزوج معترف بمهر المثل . وأما إذا ادعى الزوج نكاحها بدون مهر المثل ، فلا تحالف ؛ لأنه يثبت مهر المثل وإن نقص الولي .

                                                                                                                                                                        ولو ذكر الزوج قدرا يزيد على مهر المثل ، وادعى الولي زيادة عليه ، لم يتحالفا كيلا يرجع الواجب إلى مهر المثل ، بل يأخذ الولي ما يقوله الزوج .

                                                                                                                                                                        ولو ادعى الولي مهر المثل أو [ ص: 327 ] أكثر ، وذكر الزوج أكثر من ذلك ، فهل يتحالفان ، أم يؤخذ بما قاله الزوج ؟ وجهان حكاهما الحناطي ، وهذا الخلاف المذكور في اختلاف الزوج وولي الصغيرة ، يجري في اختلاف المرأة وولي الزوج الصغير ، وفيما إذا اختلف وليا الزوجين الصغيرين .

                                                                                                                                                                        ولو بلغت الصغيرة قبل التحالف ، حلفت هي ولا يحلف الولي . وادعى البغوي الاتفاق عليه . ولو اختلف ولي البكر البالغة وزوجها ، فالصحيح أنها هي التي تحلف .

                                                                                                                                                                        وقيل : يحلف الولي لأنه العاقد ، قاله القاضي أبو الطيب وغيره . ومن قال بهذا لا يسلم في الصغيرة إذا بلغت أن اليمين عليها .

                                                                                                                                                                        والخلاف في حلف الولي يجري في الوكيل في النكاح ، وفي وكيل البائع مع المشتري ، ووكيل المشتري مع البائع ، وفي وكيليهما ، ومنهم من رتب وقال : إن لم يحلف الولي ، فالوكيل أولى ، وإلا فوجهان لقوة الولاية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا قلنا : يحلف الولي فنكل ، فهل يقضى بيمين صاحبه ، أم يوقف حتى تبلغ الصبية وتفيق المجنونة فلعلها تحلف ؟ فيه وجهان نقلهما الحناطي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        جميع ما ذكرنا في هذه المسألة ، هو فيما يتعلق بإنشاء الولي ، أما ما لا يتعلق به ، بأن ادعى على رجل أنه أتلف مال الطفل ، فأنكر المدعى عليه ونكل ، فهل يحلف اليمين المردودة إتماما للخصومة واستخلاصا لحق الصبي ، أم لا لأنه لا يتعلق بإنشائه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : الثاني . وعلى هذا لا يقضى بالنكول ، بل يتوقف حتى يبلغ الصبي . وفي وجه : لا تعرض اليمين على المدعى عليه ، ويتوقف في أصل [ ص: 328 ] الخصومة . وأفتى القفال فيما إذا ادعى الولي على رجل دينا ورثه الصبي وأقام بينة به ، فقال الخصم : كنت قضيته ، أو أبرأني مورثه ، أنه لا يحلف الولي ، بل يحلف الصبي إذا بلغ على نفي العلم بذلك . ولو أقر القيم بما قاله الخصم ، انعزل وأقام القاضي غيره . ولو ادعى أن هذا القيم قبضه وأنكر ، حلف .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية