الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما فرغ من هذه الجملة التي هي المقصود بهذا السياق كله وإن كانت اعتراضية في هذه القصة، رجع إلى إكمالها بيانا لأن نوحا عليه السلام كان يكاشف قومه بجميع ما أمر به وإن عظمت مشقته عليهم بحيث لم يكن قط موضع رجاء لهم في أن يترك شيئا منه وتحذيرا لكل من سمع قصتهم من أن يحل به ما حل بهم فقال: وأوحي أي: من الذي لا موحي إلا هو وهو ملك الملوك إلى نوح بعد تلك الخطوب أنه لن يؤمن بما جئت به من قومك إلا من ولما كان الذي يجيب الإنسان إلى ما يسأله فيه يلوح عليه مخايل قبل الإجابة يتوقع السائل بها الإجابة، قال: قد آمن فلا أي: فتسبب عن علمك بأنه قد تم شقاؤهم أنا نقول لك: [لا] تبتئس أي: يحصل لك بؤس، أي شدة يعظم عليك خطبها بكثرة تأملك في عواقبها بما كانوا أي: بما جبلوا عليه يفعلون فإنا نأخذ لك بحقك منهم قريبا، وكأنه كان أعلمه أنهم [إن] لم يجيبوه أغرقهم وأنجاه ومن معه في فلك يحملهم فيه على متن الماء فقال: واصنع الفلك حال [ ص: 283 ] كونك محفوظا بأعيننا نحفظك أن تزيغ في عملها، وجمع مبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل ووحينا فنحن نلهمك أصلح ما يكون من عملها وأنت تعلم ما لنا من العظمة التي تغلب كل شيء ولا يتعاظمها شيء، فلا تهتم بكونك لا تعرف صنعتها; وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله أوحى إليه أن يصنعه مثل جؤجؤ الطائر - أي صدره. وأشار إلى شفقته على قومه وحبه لنجاتهم كما هو حال هذا النبي الكريم مع أمته فقال: ولا تخاطبني أي: بنوع مخاطبة وإن قلت في الذين ظلموا أي: أوجدوا الظلم واستمروا عليه في أن أنجيهم; ثم علل النهي بأن الحكم فيهم [قد] انبرم فقال: إنهم مغرقون قد انبرم الأمر بذلك; والابتئاس: حزن في استكانة، لأن أصل البؤس الفقر والمسكنة ; والوحي: إلقاء المعنى إلى النفس في خفاء، وقد يكون إفهاما من غير كلام بإشارة ونحوها، وقد يكون بكلام خفي; والفلك: السفينة، يؤنث ويذكر، واحده وجمعه سواء، وأصله الإدارة من الفلكة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية