الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: إنا أرسلناك شاهدا فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: شاهدا على أمتك بالبلاغ ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: شاهدا على أمتك بأعمالهم من طاعة أو معصية.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: مبينا ما أرسلناك به إليهم. [ ص: 313 ] ومبشرا ونذيرا فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: مبشرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: مبشرا بالجنة لمن أطاع ونذيرا بالنار لمن عصى، قاله قتادة ، والبشارة والإنذار معا خير لأن المخبر بالأمر السار مبشر والمحذر من الأمر المكروه منذر. قال النابغة الذبياني

                                                                                                                                                                                                                                        تناذرها الراقون من سوء سعيها تطلقها طورا وطورا تراجع

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وتعزروه فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: تطيعوه ، قاله بعض أهل اللغة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: تعظموه ، قاله الحسن والكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: تنصروه وتمنعوا منه ، ومنه التعزير في الحدود لأنه مانع ، قاله القطامي

                                                                                                                                                                                                                                        ألا بكرت مي بغير سفاهة     تعاتب والمودود ينفعه العزر

                                                                                                                                                                                                                                        وفي وتوقروه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: تسودوه ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن تأويله مختلف بحسب اختلافهم فيمن أشير إليه بهذا الذكر: فمنهم من قال أن المراد بقوله وتعزروه وتوقروه أي تعزروا الله وتوقروه لأن قوله وتسبحوه راجع إلى الله وكذلك ما تقدمه ، فعلى هذا يكون تأويل قوله وتوقروه أي تثبتوا له صحة الربوبية وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك. ومنهم من قال: المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزروه ويوقروه لأنه قد تقدم ذكرها ، فجاز أن يكون بعض الكلام راجعا إلى الله وبعضه راجعا إلى رسوله ، قاله الضحاك . فعلى هذا يكون تأويل وتوقروه أي تدعوه بالرسالة والنبوة لا بالاسم والكنية. وتسبحوه فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: تسبيحه بالتنزيه له من كل قبيح.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: هو فعل الصلاة التي فيها التسبيح. [ ص: 314 ] بكرة وأصيلا أي غدوة وعشيا. قال الشاعر

                                                                                                                                                                                                                                        لعمري لأنت البيت أكرم أهله     وأجلس في أفيائه بالأصائل

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية