الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 200 ] ثم دخلت سنة ست عشرة ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها عدا ملك الروم وهو توفيل بن ميخائيل فقتل جماعة من المسلمين في أرض طرسوس ؛ نحوا من ألف وستمائة إنسان ، ويقال : إنه أيضا كتب إلى المأمون فبدأ بنفسه فلما قرأ المأمون كتابه نهض من فوره ، فركب في الجيوش إلى بلاد الروم عودا على بدء ، وصحبته أخوه أبو إسحاق بن الرشيد نائب الشام ومصر ، فافتتح بلدانا كثيرة صلحا وعنوة ، وافتتح أخوه ثلاثين حصنا ، وبعث المأمون يحيى بن أكثم في سرية إلى طوانة فافتتح بلادا كثيرة ، وأسر خلقا من الذراري وغيرهم ، وقتل خلقا من الروم ، وحرق حصونا عدة ، ثم عاد سالما مؤيدا إلى العسكر . وأقام المأمون ببلاد الروم من نصف جمادى الآخرة إلى نصف شعبان ، ثم عاد إلى دمشق وقد وثب رجل يقال له : عبدوس الفهري في شعبان من هذه السنة ببلاد مصر ، فتغلب على نواب أبي إسحاق بن الرشيد ، وقويت شوكته ، واتبعه خلق كثير ، فركب المأمون من دمشق يوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من ذي الحجة إلى الديار المصرية ، فكان من أمره ما سنذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 201 ] وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد وما والاها من البلاد ، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقيب الصلوات الخمس فكان أول ما بدئ به في جامع المدينة والرصافة يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان ، أنهم لما قضوا الصلاة قام الناس قياما فكبروا ثلاث تكبيرات ، ثم استمروا على ذلك في بقية الصلوات ، وهذه بدعة أحدثها المأمون بلا مستند ولا دليل ولا معتمد فإن هذا لم يفعله قبله أحد ولكن ثبت في " " الصحيح " " عن ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينصرف الناس من المكتوبة . وقد استحب هذا طائفة من العلماء كابن حزم وغيره . وقال ابن بطال : المذاهب الأربعة وغيرهم على عدم استحبابه . قال النووي : وقد روي عن الشافعي أنه قال : إنما كان ذلك ليعلم الناس أن الذكر بعد الصلوات مشروع ، فلما علم ذلك لم يبق للجهر معنى . وهذا كما روي عن ابن عباس أنه كان يجهر بالفاتحة في صلاة الجنازة ليعلم الناس أنها سنة ، ولهذا نظائر ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 202 ] وأما هذه البدعة التي أمر بها المأمون ؛ فإنها بدعة محدثة لم يعمل بها أحد من السلف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقع برد شديد جدا . وفيها حج بالناس الذي حج بهم في العام الماضي ، وقيل : غيره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية