الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1099 الأصل

[ 1004 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الله بن الحارث، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كاتب غلاما على ثلاثين ألفا، ثم جاءه فقال: إني قد عجزت. فقال: إذا أمحو كتابتك. فقال: قد عجزت فامحها أنت. قال نافع: فأشرت إليه أمحها وهو يطمع أن يعتقه، فمحاها العبد وله ابنان أو ابن فقال: ابن عمر: اعتزل جاريتي.

قال: فأعتق ابن عمر ابنه بعده .

التالي السابق


الشرح

أورد الشافعي القصة لبيان المكاتب إذا عجز نفسه كان للسيد فسخ الكتابة ولا يحتاج إلى الحاكم.

وقوله: "إذا أمحو كتابتك" كأن الكتابة كانت مثبتة في صحيفة فقال: أمحوها وأفسخ الكتابة، أو كنى بمحوها عن الفسخ، وتروى القصة من وجوه: فعن أبي عوانة عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر أن أباه كاتبه عبد الله بن عمر على ثلاثين ألفا فعجز فرده إلى الرق وقد أدى النصف أو قريبا من النصف، فطلب إليه أن يعتق ولده -وكانوا ولدوا من مكاتبته- فأعتقه وأعتق ولده .

[ ص: 301 ] وعن ابن عون عن نافع أن ابن عمر كاتب غلاما له وولده وأم ولده، وأنه أتى ابن عمر فقال له: إني قد عجزت فاقبل كتابتي، فقال ابن عمر: إني لم أقبله منك حتى تأتيني بهم، قال: فأتاه بهم فردهم إلى الرق، فلما كان بعد ذلك إما بيوم وإما بثلاثة أعتقهم .

ويروى أن عبد الله بن عمر كاتب غلاما له فأدى خمسة عشر ألفا، فجاءه إنسان فقال: مجنون أنت! تعذب نفسك وعبد الله بن عمر يشتري الرقيق يمينا وشمالا ثم يعتقهم، ارجع إليه فقل له: قد عجزت، فجاء إليه بصحيفة فقال: يا أبا عبد الرحمن قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها، فقال: لا، ولكن امحها إن شئت فمحاها، ففاضت عينا عبد الله بن عمر وقال: اذهب فأنت حر.

قال: أصلحك الله، أحسن إلى ابني. فقال: هما حران. فقال: أصلحك الله، أحسن إلى أمي ولدي. فقال: هما حرتان، فعتق خمستهم في مقعد .

وليس للمكاتب إن وطئ جاريته ولو أولدها ففي ثبوت الاستيلاد اختلاف قول، وبتقدير ثبوته فلو عجز فهي رقيقة للسيد.

وقوله: "اعتزل جاريتي" يمكن حمله على ذلك، ويمكن أن يكون المراد غيره بمقتضى الروايات. والله أعلم.




الخدمات العلمية